الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويلازم في الطريق الذكر وقراءة القرآن بحيث لا يسمع غيره .

وإذا كلمه إنسان فليترك الذكر وليجبه ما دام يحدثه ثم ليرجع إلى ما كان عليه .

فإن تبرمت نفسه بالسفر أو بالإقامة فليخالفها فالبركة في مخالفة النفس .

وإذا تيسرت له خدمة قوم صالحين فلا ينبغي له أن يسافر تبرما بالخدمة ، فذلك كفران نعمة .

ومهما وجد نفسه في نقصان عما كان عليه في الحضر فليعلم أن سفره معلول وليرجع إذ لو كان لحق لظهر أثره .

قال رجل لأبي عثمان المغربي خرج فلان مسافرا فقال : السفر غربة والغربة ذلة وليس للمؤمن أن يذل نفسه وأشار به إلى أن من ليس له في السفر زيادة دين فقد أذل نفسه وإلا فعز الدين لا ينال إلا بذلة الغربة .

فليكن سفر المريد من وطن هواه ومراده وطبعه حتى يعز في هذه الغربة ولا يذل فإن ، من اتبع هواه في سفره ذل لا محالة إما عاجلا وإما آجلا .

التالي السابق


(ويلازم في الطريق الذكر) فلا يفتر لسانه عنه، (و) أفضل الذكر (قراءة القرآن) ولكن (بحيث لا يسمع غيره) لئلا يداخله الرياء والسمعة، (وإذا كلمه إنسان فليترك الذكر وليجبه) متوجها له (مادام يحدثه ثم يرجع إلى ما كان عليه) من الذكر (فإن تبرمت نفسه بالسفر أو بالإقامة فليخالفها في البركة في مخالفة النفس) وقد بنى القوم طريقهم على مخالفة النفس كما سيأتي للمصنف، (وإذا تيسرت له خدمة قوم صالحين فلا ينبغي له أن يسافر تبرما بالخدمة، فذلك كفران) لها (ومهما وجد نفسه في نقصان عما كان) عليه (في الحضر فليعلم أن سفره معلول) أي: فيه علة (وليرجع) عن سفره (إذ لو كان بحق) ، وفي نسخة: محقا (لظهر أثره) عليه، وفي القوت وعلى المسافر من أهل القلوب أن يفرق بين سكون القلب إلى الوطن والسفر بين سكون النفس إليهما فإن ذلك قد يلتبس فيحسب من لا بصيرة له ولا تفتيش لحاله ولا صدق في أحواله أن سكون النفس هو سكوت القلب فينتقص بذلك ولا يفطن لنقصانه، فإن كان قلبه يسكن إلى أحدهما وفيه صلاح دينه وعمارة آخرته ومحبة ربه، فهذا سكون القلب; لأنه يسكن إلى أخلاق الإيمان وما ورد العلم به، وإن كانت نفسه تسكن إلى إحداهما مما فيه عاجل حظوظه وعمارة دنياه وموافقة هواه فهذا سكون نفسي لأنها تسكن إلى معاني الهوى فليتحول من الوطن إلى الغربة وليرجع من الغربة إلى المصر، ومن كان في سفر على غير هذا النعت من التفقد وحسن القيام بأحكامه فهو على هوى وفتنة وسفره بلاء عليه ومحنة .

(قال رجل لأبي عثمان [ ص: 415 ] المغربي) اسمه سعيد بن سلام واحد عصره صحب ابن الكاتب وأبا عمر والزجاجي ولقي النهرجوري وابن الصائغ وغيرهم، مات بنيسابور سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وأوصى أن يصلي عليه الإمام أبو بكر بن فورك (خرج فلان مسافرا فقال: السفر غربة) عن الوطن (والغربة) عنه (ذلة وليس للمؤمن أن يذل نفسه) وهو في حديث مرفوع تقدم ذكره في آفات المناظرة من كتاب العلم .

(وأشار به إلى من ليس له في السفر زيادة دين وإلا فعز الدين لا ينال إلا بذل الغربة فليكن سفر المريد من وطن هواه ومراده وطبعه حتى يعز في هذه الغربة ولا يذل، فإنه من اتبع هواه في سفره ذل لا محالة إما عاجلا وإما آجلا) . وفي القوت: من لم يكن له في سفره حال يشغله وهو يجمعه ووقت يحبسه ومأوى يظله وسكن يؤنسه وزاد من باطنه وعلم من عالمه فإن الحضر أوفر لحاله وأصلح لقلبه وأسكن لنفسه من السفر، والسفر يجمع هم الأقوياء ويشتت قلوب الضعفاء ويذهب أحوال أهل الابتلاء .




الخدمات العلمية