العارض الخامس : ولو غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظورا . أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى فيكون السماع له محبوبا
ولكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه وهجيراه وقصر عليه أكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته فإن المواظبة على اللهو جناية .
وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة ، فكذلك بعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة وهو كالمواظبة على متابعة الزنوج والحبشة والنظر إلى لعبهم على الدوام ، فإنه ممنوع وإن لم يكن أصله ممنوعا إذ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا القبيل اللعب بالشطرنج فإنه مباح ، ولكن المواظبة عليه مكروهة كراهة شديدة .
ومهما كان الغرض اللعب والتلذذ باللهو فذلك ، إنما يباح لما فيه من ترويح القلب إذ راحة القلب معالجة له في بعض الأوقات لتنبعث دواعيه فيشتغل في سائر الأوقات بالجد الدنيا كالكسب والتجارة ، أو في الدين كالصلاة والقراءة .
واستحسان ذلك فيما بين تضاعيف الجد كاستحسان الخال على الخد ولو استوعبت الخيلان في الوجه لشوهته فما أقبح ذلك فيعود الحسن قبحا بسبب الكثرة ، فما كل حسن يحسن كثيره ولا كل مباح يباح كثيره بل الخبز مباح والاستكثار منه حرام .
فهذا المباح كسائر المباحات .
فإن قلت : فقد أدى مساق هذا الكلام إلى أنه مباح في بعض الأحوال دون بعض فلم أطلقت القول أولا بالإباحة إذ إطلاق القول في المفصل بلا أو بنعم خلف وخطأ فاعلم أن هذا غلط لأن الإطلاق إنما يمتنع لتفصيل ينشأ من غير ما فيه النظر ، فأما ما ينشأ من الأحوال العارضة المتصلة به من خارج فلا يمنع الإطلاق ألا ترى أنا إذا سئلنا عن العسل أهو حلال أم لا ? قلنا : إنه حلال على الإطلاق مع أنه حرام على المحرور الذي يستضر به وإذا سئلنا عن الخمر قلنا .
إنها : حرام .
مع إنها تحل لمن غص بلقمة أن يشربها مهما لم يجد غيرها ولكن هي من حيث إنها خمر حرام ، وإنما أبيحت لعارض الحاجة .
والعسل من حيث إنه عسل حلال ، وإنما حرم لعارض الضرر وما يكون لعارض فلا يلتفت إليه ، فإن البيع حلال ويحرم بعارض الوقوع في وقت النداء يوم الجمعة ونحوه من العوارض والسماع من جملة المباحات من حيث إنه سماع صوت طيب موزون مفهوم ، وإنما تحريمه لعارض خارج عن حقيقة ذاته .
فإذا ، انكشف الغطاء عن دليل الإباحة فلا نبالي بمن يخالف بعد ظهور الدليل .
وأما رضي الله عنه فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا . الشافعي
وقد نص وقال في الرجل يتخذه صناعة لا تجوز شهادته . الشافعي
وذلك لأنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل ، ومن اتخذه صنعة كان منسوبا إلى السفاهة وسقوط المروءة وإن لم يكن محرما بين التحريم .
فإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ولا يؤتى لذلك ولا يأتي لأجله ، وإنما يعرف بأنه قد يطرب في الحال فيترنم بها لم يسقط هذا مروءته ولم يبطل شهادته .
واستدل بحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت رضي الله عنها وقال عائشة يونس بن عبد الأعلى سألت رحمه الله عن الشافعي أهل المدينة للسماع فقال إباحة
لا أعلم أحدا من الشافعي : . علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما ، الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح .
وحيث قال إنه لهو مكروه يشبه الباطل فقوله : لهو ، صحيح .
ولكن اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام فلعب الحبشة ورقصهم لهو ، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ولا يكرهه .
بل اللهو واللغو لا يؤاخذ الله تعالى به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة فيه .
، فإن الإنسان لو وظف على نفسه أن يضع يده على رأسه في اليوم مائة مرة فهذا عبث لا فائدة له ولا يحرم .
قال الله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فإذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فكيف يؤاخذ به بالشعر والرقص .
وأما قوله : يشبه الباطل فهذا لا يدل على اعتقاد تحريمه بل لو قال : هو باطل صريحا .
لما دل على التحريم وإنما يدل على خلوه عن الفائدة ، فالباطل ما لا فائدة فيه .
فقول الرجل لامرأته مثلا بعت نفسي منك وقولها اشتريت عقد باطل مهما كان القصد اللعب والمطايبة وليس بحرام إلا إذا قصد به التمليك المحقق منع الشرع منه .
وأما قوله مكروه فينزل بعض المواضع التي ذكرتها لك أو ينزل على التنزيه فإنه نص على إباحة لعب الشطرنج وذكر أني أكره لعب ، وتعليله يدل عليه ، فإنه قال ليس ذلك من عادة ذوي الدين والمروءة .
فهذا يدل على التنزيه .
ورده ، الشهادة بالمواظبة عليه لا يدل على تحريمه أيضا بل قد ترد الشهادة بالأكل في السوق وما يحرم المروءة بل الحياكة مباحة وليست من صنائع ذوي المروءة ، وقد ترد شهادة المحترف بالحرفة الخسيسة فتعليله يدل على أنه أراد بالكراهة التنزيه .
وهذا هو الظن أيضا بغيره من كبار الأئمة .
وإن أرادوا التحريم فما ذكرناه حجة عليهم .