الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والاستبشار وجد .

وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد
بالقرآن فقال تعالى : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل .

وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ، فكثير فمنهم من صعق ، ومنهم من بكى ومنهم من غشي عليه ، ومنهم من مات في غشيته .

وروي أن زرارة بن أوفى وكان من التابعين كان يؤم الناس بالرقة فقرأ فإذا نقر في الناقور فصعق ومات في محرابه رحمه الله .

وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ : إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع فصاح صيحة وخر مغشيا عليه فحمل إلى بيته فلم يزل مريضا في بيته شهرا .

وأبو جرير من التابعين قرأ عليه صالح المري فشهق ومات .

وسمع الشافعي رحمه الله قارئا يقرأ : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فغشي عليه .

وسمع علي بن الفضيل قارئا يقرأ : يوم يقوم الناس لرب العالمين فسقط مغشيا عليه فقال الفضيل : شكر الله لك ما قد علمه منك .

وكذلك نقل عن جماعة منهم .

التالي السابق


(والاستبشار وجد، وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد بالقرآن فقال: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) قال صاحب العوارف: وهذا السماع هو سماع الحق الذي لا يختلف فيه اثنان من أهل الإيمان محكوم لصاحبه بالهداية واللب، هذا سماع ترد حرارته على برد اليقين فتفيض العين بالدمع; لأنه تارة يثير حزنا، والحزن حار، وتارة يثير شوقا والشوق حار، وتارة يثير ندما والندم حار، فإذا أثار السماع هذه الصفات من صاحب قلب مملوء ببرد اليقين أبكى وأدمع; لأن الحرارة والبرودة إذا اصطدما عصرا ماء، فإذا ألم السماع بالقلب تارة يخف إلمامه فيظهر أثره في الجسد ويقشعر منه الجلد، وتارة يعظم وقعه ويتصوب أثره إلى فوق نحو الدماغ فتندفق منه العين بالدمع وتارة يتصوب أثره إلى الروح فتموج منه الروح موجا يكاد يضيق منه نطاق القلب فيكون من ذلك الصياح والاضطراب، وهذه كلها أحوال يجدها [ ص: 552 ] أربابها من أصحاب الحال، وقد يحكيها بدلائل هوى في النفس أرباب الحال .

(وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل) . رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل من حديث عبد الله بن الشخير، وقد تقدم. (وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة) رضي الله عنهم (والتابعين، فكثير منهم من صعق، ومنهم من غشي عليه، ومنهم من مات في غشيته) قد جمع أبو إسحاق الثعلبي صاحب التفسير المشهور في كتابه "قتلى القرآن" عددا كثيرا منهم، (و) من قديم ذلك ما (روي أن زرارة بن أوفى) العامري الحريشي البصري يكنى أبا حاجب، وكان قاضيها، ثقة عابد أخرج له الجماعة، (كان من) ثقات (التابعين كان يؤم الناس بالرقة فقرأ) يوما في صلاته: ( فإذا نقر في الناقور فصعق ومات في محرابه) ، أخبرنا عمر بن أحمد بن عقيل، أخبرنا عبد الله بن سالم، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد القادر عن أبيه عن جده قال: أخبرنا جدي يحيى بن مكرم، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن حمد بن فهر المكي، أخبرنا إبراهيم بن صديق، أخبرنا أبو إسحاق التنوخي، أخبرنا ابن أبي يوسف بن عبد الرحمن المري الحافظ، أخبرنا الفخر علي بن أحمد المقدسي، أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنبأنا إبراهيم بن عمر، أنبأنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب أنبأنا أبو جعفر أحمد بن علي الخراز، حدثنا أبو بحر عبد الواحد بن غياث، حدثنا أبو حباب القصاب واسمه عوف بن ذكوان قال: صلى بنا زرارة بن أوفى صلاة الفجر، فلما بلغ: فإذا نقر في الناقور فشهق شهقة فمات. هذا أثر حسن الإسناد أخرجه الترمذي في أواخر كتاب الصلاة في جامعه من طريق بهز بن حكيم قال: صلى بنا زرارة بن أوفى، فذكر نحوه، وزاد في آخره: فكنت فيمن حمله، ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي داود في كتاب الشريعة .

(وسمع عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- رجلا يقرأ: إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع فصاح صيحة خر مغشيا عليه فحمل إلي بيته فلم يزل مريضا في بيته شهرا) ، وروي عنه أيضا أنه ربما مر بآية في ورده فتخنقه العبرة ويسقط، ويلزم البيت اليوم واليومين حتى يعاد يحسب مريضا، (وكان أبو حميم) وفي نسخة أبو جهيم بالتصغير، وفي أخرى أبو عمير (من التابعين يقرأ عليه صالح) بن بشير (المري فشهق ومات) ، وكان صالح من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي داود في كتاب الشريعة جملة من التابعين ومن بعدهم ممن صعق عند قراءة القرآن منهم الربيع بن خيثم، وقد تقدمت قصته في آداب تلاوة القرآن، وهو من كبار التابعين، ومنهم أبو أسيد من صغار التابعين. أخرج ابن أبي داود من طريق خليد بن سعد قال: وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان يقرأ عند أم الدرداء، وكان أهل المسجد يجتمعون عندها، وكان أبو أسيد إذا حضر قالت أم الدرداء لخليد: لا تقرأ بآية شديدة تشد على الرجل، وكان يصعق إذا سمع بآية شديدة، قال ابن أبي داود: وكان أبو أسيد مستجاب الدعوة، وكان يقال: إنه من الأبدال .

(وسمع الشافعي -رحمه الله- قارئا يقرأ: هذا يوم لا ينطقون فغشي عليه) تقدم في ترجمته في كتاب العلم، (وسمع علي بن فضل) بن عياض -رحمه الله تعالى- تقدمت ترجمته (قارئا يقرأ: يوم يقوم الناس لرب العالمين فسقط مغشيا عليه فقال) أبوه (الفضيل: شكر الله لك ما قد علمه منك) ومات قبل والده، (وكذلك نقل عن جماعة منهم) غير هؤلاء .




الخدمات العلمية