الدرجة الخامسة : وذلك ككسر الملاهي ، وإراقة الخمر ، وخلع الحرير من رأسه وعن بدنه ، ومنعه من الجلوس عليه ودفعه عن الجلوس على مال الغير ، وإخراجه من الدار المغصوبة بالجر برجله ، وإخراجه من المسجد إذا كان جالسا وهو جنب وما يجري مجراه، ويتصور ذلك في بعض المعاصي دون بعض . . التغيير باليد ،
فأما معاصي اللسان والقلب فلا يقدر على مباشرة تغييرها ، وكذلك كل معصية تقتصر على نفس العاصي ، وجوارحه الباطنة ، وفي هذه الدرجة أدبان : .
أحدهما أن ، فإذا أمكنه أن يكلفه المشي في الخروج عن الأرض المغصوبة والمسجد فلا ينبغي أن يدفعه أو يجره ، وإذا قدر على أن يكلفه إراقة الخمر وكسر الملاهي وحل دروز ثوب الحرير فلا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه فإن في الوقوف على حد الكسر نوع عسر فإذا لم يتعاط بنفسه ذلك كفى الاجتهاد فيه ، وتولاه من لا حجر عليه في فعله . . لا : يباشر بيده التغيير ما لم يعجز عن تكليف المحتسب عليه ذلك
الثاني : ، وهو أن لا يأخذ بلحيته في الإخراج ، ولا برجله إذا قدر على جره بيده ، فإن زيادة الأذى فيه مستغنى عنه وأن لا ، يمزق ثوب الحرير بل يحل دروزه فقط ، ولا يحرق الملاهي والصليب الذي أظهره النصارى ، بل يبطل صلاحيتها للفساد بالكسر ، وحد الكسر أن يصير إلى حالة تحتاج في استئناف إصلاحه إلى تعب يساوي تعب الاستئناف من الخشب ابتداء . أن يقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج إليه
وفي إراقة الخمور يتوقى كسر الأواني إن وجد إليه سبيلا فإن لم يقدر عليها إلا بأن يرمي ظروفها بحجر ، فله ذلك ، وسقطت قيمة الظرف وتقومه بسبب الخمر إذ صار حائلا بينه وبين الوصول إلى إراقة الخمر ، ولو ستر الخمر ببدنه لكنا نقصد بدنه بالجرح والضرب لنتوصل إلى إراقة الخمر فإذن لا تزيد حرمة ملكه في الظروف على حرمة نفسه ، ولو كان الخمر في قوارير ضيقة الرؤوس ولو اشتغل بإراقتها طال الزمان ، وأدركه الفساق ومنعوه فله كسرها فهذا عذر ، وإن كان لا يحذر ظفر الفساق به ومنعهم ، ولكن كان يضيع في زمانه ، وتتعطل عليه أشغاله فله أن يكسرها ، فليس عليه أن يضيع منفعة بدنه ، وغرضه من أشغاله لأجل ظرف الخمر ، وحيث كانت الإراقة متيسرة بلا كسر فكسره ، لزمه الضمان فإن قلت : فهلا جاز الكسر لأجل الزجر ، وهلا جاز الجر بالرجل في الإخراج عن الأرض المغصوبة ؛ ليكون ذلك أبلغ في الزجر ، فاعلم أن الزجر إنما يكون عن المستقبل والعقوبة تكون على الماضي، والدفع على الحاضر الراهن وليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع ، وهو إعدام المنكر ، فما زاد على قدر الإعدام ، فهو إما عقوبة على جريمة سابقة ، أو زجر عن لاحق ، وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية نعم ، الوالي له أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه وأقول : له أن يأمر بكسر الظروف التي فيها الخمور ؛ زجرا وقد فعل ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تأكيدا للزجر .
ولم يثبت نسخه ، ولكن كانت الحاجة إلى الزجر والفطام شديدة فإذا رأى الوالي باجتهاده مثل الحاجة جاز له مثل ذلك وإذا ، كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لآحاد الرعية فإن قلت : فليجز للسلطان زجر الناس عن المعاصي بإتلاف أموالهم ، وتخريب دورهم التي فيها يشربون ويعصون وإحراق أموالهم التي بها يتوصلون إلى المعاصي ، فاعلم أن ذلك لو ورد الشرع به لم يكن خارجا عن سنن المصالح ولكنا لا نبتدع المصالح بل نتبع فيها وكسر ظروف الخمر قد ثبت عند شدة الحاجة، وتركه بعد ذلك لعدم شدة الحاجة لا يكون نسخا بل الحكم يزول بزوال العلة ، ويعود بعودها وإنما جوزنا ذلك للإمام بحكم الاتباع ، ومنعنا آحاد الرعية منه ؛ لخفاء وجه الاجتهاد فيه بل نقول : لو أريقت الخمور أولا فلا يجوز كسر الأواني بعدها وإنما جاز كسرها تبعا للخمر ، فإذا خلت عنها فهو إتلاف مال إلا أن تكون ضاربه بالخمر، لا تصلح إلا لها فكان الفعل المنقول عن العصر الأول كان مقرونا بمعنيين ، أحدهما شدة الحاجة إلى الزجر ، والآخر تبعية الظروف للخمر التي هي مشغولة بها ، وهما معنيان مؤثران لا سبيل إلى حذفهما ومعنى ثالث ، وهو صدوره عن رأي صاحب الأمر ؛ لعلمه بشدة الحاجة إلى الزجر ، وهو أيضا مؤثر فلا سبيل إلى إلغائه ، فهذه تصرفات دقيقة فقهية يحتاج المحتسب لا محالة إلى معرفتها .