الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم .

كان صلى الله عليه وسلم أنجد الناس وأشجعهم قال علي رضي الله عنه لقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا وقال أيضا : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه قيل : وكان صلى الله عليه وسلم قليل الكلام قليل الحديث ، فإذا أمر الناس بالقتال تشمر وكان من أشد الناس بأسا وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب ، لقربه من العدو وقال عمران بن حصين ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب وقالوا: كان : قوي البطش ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته فجعل يقول: .


أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

.

فما رؤي يومئذ أحد كان أشد منه .

التالي السابق


* (بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم ) *

(كان صلى الله عليه وسلم أنجد الناس وأشجعهم) قال العراقي : رواه الدارمي من حديث ابن عمر بسند صحيح ، "ما رأيت أجلد ولا أجود ولا أشجع ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم - وللشيخين من حديث أنس : "كان أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس " ، (قال علي رضي الله عنه - لقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم - وهو أقرب إلى العدو ، وكان أشد الناس بأسا يومئذ ) ، قال العراقي : رواه أبو الشيخ في الأخلاق بإسناد جيد .

(وقال) رضي الله عنه (أيضا : كنا إذا احمر البأس) أي اشتد الكرب في الحرب ، (ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون أحد أقرب إلى العدو [ ص: 141 ] منه) قال العراقي : رواه النسائي بإسناد صحيح ، ولمسلم نحوه من حديث البراء .

(وقيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - قليل الكلام قليل الحديث ، فإذا أمر الناس بالقتال تشمر ) قال العراقي : رواه أبو الشيخ من حديث سعد بن عياض الثمالي مرسلا اهـ .

قلت : وروى أحمد من طريق سماك قال : قلت لجابر بن سمرة : "أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم - قال : نعم ، وكان طويل الصمت ، قليل الضحك " رجاله رجال الصحيح ، غير شريك ، وهو ثقة وسعد بن عياض المذكور تابعي ، يروي عن ابن مسعود ، وعنه أبو إسحاق السبيعي وثق ، روى له أبو داود ، والنسائي ، كذا في الكاشف .

(وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب ، لقربه من العدو) ، قال العراقي : رواه مسلم ، من حديث البراء : "كنا والله إذا حمي البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا الذي يحاذى به " .

(وقال عمران بن حصين ) رضي الله عنه : (ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - كتيبة) طائفة من الجيش مجتمعة (إلا كان أول من يضرب) ، قال العراقي : رواه أبو الشيخ ، وفيه من لم أعرفه .

(قالوا : وكان) صلى الله عليه وسلم (قوي البطش) قال العراقي : رواه أبو الشيخ من رواية أبي جعفر معضلا اهـ .

قلت : ورواه ابن سعد ، عن محمد بن علي مرسلا ، بلفظ : "كان شديد البطش " ، قال الشارح : ومع ذلك فلم تكن الرحمة منزوعة عن بطشه لتخلقه بأخلاق الله تعالى ، وهو سبحانه ليس له وعيد وبطش شديد ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ، وقال العراقي : وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو ، وأعطيت قوة أربعين في البطش والجماع ، وسنده ضعيف .

(ولما غشيته المشركون) يوم حنين (نزل) عن بغلته (فجعل يقول) :


(أنا النبي لا كذب)


(أنا ابن عبد المطلب)

قال العراقي : متفق عليه من حديث البراء اهـ .

قلت : ومعنى قوله :

أنا النبي لا كذب

، أي حقا فلا أفرق ، ولا أزول أي صفة النبوة يستحيل معها الكذب ، فكأنه قال : أنا النبي ، والنبي لا يكذب ، لست بكاذب فيما أقول ، حتى أنهزم ، بل أنا متيقن أن ما وعدني الله تعالى من النصر حق ، فلا يجوز علي الفرار ،

أنا ابن عبد المطلب

، فيه دليل لجواز قول الإنسان في الحرب : أنا فلان بن فلان ، ومنه قول علي رضي الله عنه .


أنا الذي سمتني أمي حيدره



وقول سلمة : أنا ابن الأكوع ، والمنهي عنه قول ذلك على وجه الافتخار ، كما كانت الجاهلية تفعله ، وانتسب لجده عبد المطلب ، دون أبيه عبد الله ؛ لأنه توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب ، فلم يشتهر كاشتهار أبيه ، وكان عبد المطلب سيد قريش ، وسيد أهل مكة ، ومن ثم نسب إليه صلى الله عليه وسلم ، في نحو قول ضمام : أيكم ابن عبد المطلب .

(فما رئي يومئذ أحد أشد منه صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه لما استقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد ، والكثرة ، وذلك في غبش الصبح ، خرجت الكتائب من مضيق الوادي ، فحملوا حملة واحدة ، فانكشف خيل بني سليم مولية ، وتبعهم أهل مكة ، والناس ، ولم يثبت معه صلى الله عليه وسلم إلا عمه العباس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وأبو بكر ، وعمر ، وأسامة في أناس من أهل بيته ، وأصحابه ، قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلته ، أكفها مخافة أن تصل إلى العدو ؛ لأنه كان يتقدم في نحوهم ، وأبو سفيان آخذ بركابه .

ومما يدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم ، وكونه أشدهم بأسا ركوبه يومئذ على بغلته البيضاء ، وهي دلدل ، كما في رواية مسلم مع عدم صلاحيتها للحرب ، كرا وفرا ، ومن ثم لم يسهم لها ، ومع العادة ، إنما هي من مراكب الطمأنينة ، ومع أن الملائكة الذين قاتلوا معه في ذلك اليوم لم يكونوا إلا على الخيل ، لا غير ، ومع أنه كانت له أفراس متعددة في مواطن الحرب ، وهذا هو النهاية القصوى في الشجاعة ، والثبات .

وفيه إعلام بأن سبب نصرته مدده السماوي ، والتأييد الإلهي الخارق للعادة ، وبأنه ظاهر المكانة ، والمكان ليرجع إليه المسلمون ، وتطمئن قلوبهم بمشاهدة جميل ذاته وجليل آياته ، كركضه بها في نحو العدو مع فرار الناس عنه ، ولم يبق معه إلا أكابر أصحابه ، وكنزوله عنها إلى الأرض مبالغة في الثبات ، والشجاعة ، ومساواة في مثل هذا المقام للماشين من أصحابه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية