الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان واسع الظهر ما بين كتفيه خاتم النبوة وهو مما يلي منكبه الأيمن فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة ، حولها شعرات متواليات ، كأنها من عرف فرس .

التالي السابق


(وكان) صلى الله عليه وسلم (واسع الظهر) وبه فسر بعيد ما بين المنكبين ، أي : عريض أعلى الظهر ، كما تقدم ، وقد روي "بعيد ما بين المنكبين " في عدة أحاديث ، روى الشيخان من حديث البراء " كان مربوعا بعيد ما بين المنكبين " ، الحديث ، وروى البيهقي من حديث أبي هريرة : "كان بعيد ما بين المنكبين " ، وفي لفظ لمسلم : "له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين " . (ما بين كتفيه خاتم النبوة ) ، بفتح التاء وكسرها ، والمراد به هنا الأثر الحاصل له بين كتفيه لمشابهته للخاتم الذي يختم به وهو الطابع وإضافته للنبوة ؛ للدلالة عليه قيل : أو لكونه ختما عليها بحفظها وما فيها أو ختم عليها لإتمامها ، كما تتم الأشياء ثم يختم عليها ، ويحتمل أنه من قبيل خاتم فضة ، كان ذلك الخاتم أيضا من نبوته ، وفي ذلك كله تكلف لا يخفى .

(وهو مما يلي منكبه الأيمن) فالبينية المذكورة تقريبية هذا قول ، والصحيح أنه كان عند أعلى كتفه الأيسر قاله السهيلي ، وقد وقع التصريح به عند مسلم ، قال حدثنا حامد بن عمر البكراوي وأبو كامل الجحدري قالا : حدثنا حماد بن زيد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس ، قال : "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم - وأكلت معه خبزا ولحما وسلقا " الحديث ، وفيه : "ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى " (فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة ، حولها شعرات متواليات ، كأنها من عرف فرس) ، هكذا رواه ابن أبي خيثمة ، في تاريخه إلا أنه قال : متركبات بدل متواليات ، وفي تحديد خاتم النبوة أقوال كثيرة ، نذكرها فمنها : " جمع خيلان سود كأنها الثآليل السود ، عند نغض كتفه " ، رواه مسلم من حديث عبد الله بن سرجس بالسند المتقدم قريبا ، وقيل : "مثل زر الحجلة " ، رواه البخاري من حديث السائب بن يزيد ، وزاد : "وينم مسكا " ، ورواه مسلم بلا زيادة وقيل : "كبيضة الحمام " ، رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة ، وقيل : "مثل السلعة " رواه البيهقي من حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه ، وقيل : "شعر مجتمع " رواه الحاكم في المستدرك ، وقيل : "مثل التفاحة " ، رواه الترمذي في الشمائل ، والبيهقي في الدلائل من حديث إياد بن لقيط ، وقيل : "مثل بعرة البعير " رواه أيضا من حديث أبي رمثة ، عن أبيه ، وقيل : "مثل السلعة " ، رواه أيضا من حديثه عن أبيه ، وقيل : "لحمة ناتئة " رواه أيضا من حديث أبي سعيد ، وقيل : "بضعة ناشزة " رواه الترمذي في الشمائل ، وقيل : "كالبندقة " رواه ابن عساكر في التاريخ ، زاد الحاكم في تاريخ [ ص: 153 ] نيسابور مكتوب فيه باللحم ، محمد رسول الله ، وقيل : المحجمة الضخمة ، رواه البيهقي من حديث التنوخي رسول هرقل ، وللسهيلي في الروض "كأثر المحجم النابضة على اللحم " ، وقيل : "شامة خضراء محتفرة في اللحم " ، رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ ، وقيل : ثلاث شعرات مجتمعات ، نقله القاضي ، وقيل : "كبيضة حمام مكتوب بباطنها : الله وحده لا شريك له ، وبظاهرها توجه حيث كنت فإنك منصور " ، رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وقيل : "كان نورا يتلألأ " ، رواه ابن عائذ ، وقيل : غرزة كغرزة الحمام ، أي قرطمته وقرطمتاه بكسر القاف ، نقطتان على أصل نقاره ، وقيل : كتية صغيرة ، تضرب إلى الدهمة .

روي ذلك عن عائشة ، قال الحافظ في فتح الباري ، ورواية كأثر المحجم ، أو كشامة خضراء أو سوداء مكتوب فيها : محمد رسول الله ، أو سر فإنك منصور ، لم يثبت منها شيء وتصحيح ابن حبان ذلك وهم .

وقال الهيثمي : إن راوي كتابة: محمد رسول الله هنا اختلط عليه بخاتمه الذي كان يختم به ، وقال بعض العلماء : وليست هذه الروايات مختلفة حقيقة ، بل كل شبه بما سنح به له ، وتلك الألفاظ كلها مؤداها واحد ، وهو قطعة لحم ، ومن قال : شعر فلأن الشعر حوله متراكب عليه ، كما في الرواية الأخرى ، وقال القرطبي الأحاديث الثابتة تدل على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر ، إذا قلل جعل كبيضة الحمام ، وإذا أكثر جعل كجمع اليد ، وقال القاضي : رواية جمع الكف تخالف بيض الحمام ، وزر الحجلة ، فتتأول على وفق الروايات الكثيرة ، أي كهيئة الجمع ، لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة ، واختلفوا هل ولد به أو وضع عند ولادته ، قولان ، لكن في حديث البزار وغيره بيان وقت وضعه ، وكيف وضع ومن وضعه وهو : قلت : "يا رسول الله ، كيف علمت أنك نبي ؟ وبم علمت حتى استغنيت ؟ قال : أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة ، فقال أحدهما شق بطنه ، فشق بطني ، فأخرج قلبي ، فأخرج منه مغمز الشيطان ، وعلق الدم فطرحهما فقال أحدهما لصاحبه : اغسل بطنه غسل الإناء ، واغسل قلبه غسل الملاء ، ثم قال أحدهما لصاحبه : خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ، ووليا عني ، وكأني أرى الأمر معاينة " .

وقال أبو نعيم في الدلائل لما ولد أخرج الملك صرة من حرير أبيض فيها خاتم فضرب على كتفيه كالبيضة ، وأخرج الحاكم عن وهب بن منبه ، لم يبعث الله نبيا إلا وعليه شامات النبوة ، في يديه اليمنى إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فإن شامات نبينا بين كتفيه ، وعليه فوضع الخاتم بين كتفيه بإزاء قلبه ، مما اختص به على سائر الأنبياء صلى الله عليه وسلم .




الخدمات العلمية