الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومرة أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس في يده .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أطعم (مرة أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس) بن مالك رضي الله عنه - (في يده) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث أنس ، وفيه : "حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، وأهل البيت وتركوا سؤرا " ، وفي رواية لأبي نعيم في الدلائل : "حتى أكل منه بضع وثمانون رجلا " ، وهو متفق عليه بلفظ : "والقوم سبعون أو ثمانون رجلا " ، اهـ .

قلت : لفظ الشيخين من حديث أنس ، قال : قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخرجت خمارا ، فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت يدي ولاثتني ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذهبت به ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، أي : الموضع الذي أعده للصلاة فيه في محاصرة الأحزاب ، يوم الخندق ، ومعه الناس فسلمت عليه ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم - أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم ، قال : لطعام ؟ قلت : نعم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لمن معه قوموا ، فانطلق وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة ، فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة معه ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟ فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم - ففت وعصرت أم سليم عكة ، فآدمته ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة ، ثم لعشرة ، فأكل كل القوم كلهم ، وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا " .

وفي رواية لمسلم ، أنه قال : "ائذن لعشرة فدخلوا فقال : كلوا وسموا الله ، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم - فجعلت أنظر هل نقص منها شيء " ، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أنس ، أنه لما انتهى إلى الباب ، قال لهم : "اقعدوا ثم دخل " ، وفي رواية عمرو بن عبد الله ، عن أنس فقال أبو طلحة : "إنما هو قرص ، فقال : إن الله سيبارك فيه " ، وفي رواية مبارك بن فضالة عن أنس ، فقال : "هل من سمن " ؟ فقال أبو طلحة : "قد كان في العكة شيء ، فجاء بها ، فجعلا يعصرانها حتى خرج ، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم - القرص فانتفخ ، وقال : بسم الله ، فلم يزل يصنع ذلك ، والقرص ينتفخ ، حتى رأيت القرص في الجفنة يتسع " .

وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه : " فجئت بها ففتح رباطها ، ثم قال : بسم الله ، اللهم أعظم فيها البركة " ، والحكمة في إدخالهم عشرة عشرة ، أن تلك القصعة لم تكن تسع أن يجلس عليها أكثر من ذلك .

وفي قول المصنف : أكثر من ثمانين إشارة إلى رواية مسلم المتقدمة ، وهو أنهم لما فرغوا من الأكل ، وكانوا ثمانين أكل صلى الله عليه وسلم وأهل البيت ، والمراد بهم أم سليم ، وأبو طلحة وأنس ، فهؤلاء أربعة ، ولا بد في البيت من صبيان وبنات ونسوة ، لم تذكر أسماؤهم ، فصح قول المصنف أنه أكثر من ثمانين فتأمل .




الخدمات العلمية