الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأهرق صلى الله عليه وسلم وضوءه في عين تبوك ولا ماء فيها ومرة أخرى في بئر الحديبية ، فجاشتا بالماء ، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أهراق) بفتح الهمزة والهاء أصله أراق (وضوأه) بالفتح هو الماء الذي يتوضأ به (في عين تبوك ) وهو موضع بالشام (ومرة أخرى في بئر الحديبية ، فجاشتا بالماء ، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث معاذ بقصة عين تبوك ، ومن حديث سلمة بن الأكوع بقصة عين الحديبية ، وفيه : "فإما دعا وإما بصق فيها ، فجاشت " الحديث .

وللبخاري من حديث البراء "أنه توضأ وصبه فيها " ، وفي الحديثين معا أنهم كانوا أربع عشرة مائة " ، وكذلك عندهما من حديث جابر ولهما من حديثه أيضا " ألف وخمسمائة " ، ولمسلم من حديث ابن أبي أوفى "ألف وثلاثمائة " . اهـ

قلت : لفظ حديث معاذ عند مسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال لهم : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا ، حتى آتي قال : فجئناها ، وقد سبق إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم - هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم ، فسبهما ، وقال لهما : ما شاء الله أن يقول : ثم غرفوا من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شن ، ثم غسل صلى الله عليه وسلم به وجهه ويديه ، ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ، ثم قال : يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة ، أن ترى ماءها قد ملأ جنانا [ ص: 173 ] وعمرانا ، ورواه عياض في الشفاء بنحوه ، من طريق مالك في الموطأ ، وزاد فقال : قال في حديث ابن إسحاق : "فانخرق من الماء ماء له حس كحس الصواعق " ، وأما قصة الحديبية ، فرواها البخاري من حديث المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم : "أنهم ، نزلوا بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء ، يتربضه الناس تربضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه " .

وحديث سلمة بن الأكوع ، أخرجه مسلم من طريق عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، قال : أخبرني أبي ، قال : "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحديبية ، ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة ، ما ترويها ، قال : فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - على جانبها فإما دعا وإما بزق ، فجاشت فسقينا واستقينا " .

وحديث البراء رواه البخاري من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها ، فما ترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم - فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضأ ، ثم مضمض ، ودعا ثم صبه فيها فتركها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا نحن ، وركابنا " .

وأخرجه أيضا من حديث زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، وفي لفظ له : "فدعا بدلو فنزع منها ، ثم أخذ منه بفيه ، فمجه فيها ، ودعا الله فكثر ماؤها ، حتى صدرنا ، وركائبنا ، ونحن أربع عشرة مائة " .

وفي مغازي أبي الأسود من رواية ابن لهيعة : "ودعا بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ، ومضمض فاه ، ثم مج فيه ، وأمر أن يصب في البئر ، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ، ودعا الله تبارك وتعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس مع شفتها " .

وكذا روى الواقدي من طريق أوس بن خولي ، وهذه القصة غير القصة التي سبقت في ذكر نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، مما رواه البخاري في المغازي من حديث جابر ، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع في وقعتين ، قال بعضهم في تقرير هذا القول : حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء ، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك .

ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة ، وتوضؤوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها ، والله أعلم .




الخدمات العلمية