الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأطعم صلى الله عليه وسلم السم فمات الذي أكله معه ، وعاش هو صلى الله عليه وسلم بعده أربع سنين، وكلمه الذراع المسموم وأخبر عليه السلام يوم بدر بمصارع صناديد قريش ووقفهم على مصارعهم رجلا رجلا ، فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أطعم السم فمات الذي أكله معه ، وعاش هو صلى الله عليه وسلم بعده أربع سنين ، وكلمه الذراع المسموم) .

قال العراقي : رواه أبو داود من حديث جابر ، وفي رواية مرسلة : "إن الذي مات بشر بن البراء " وفي الصحيحين من حديث أنس : "أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة ، فأكل منها " الحديث ، وفيه : "فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم " اهـ .

قلت : حديث أنس رواه البخاري ، عن عبد الله بن عبد الوهاب الجمحي ، حدثنا خالد بن الحارث ، ثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس ، ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب بن عربي ، عن خالد بن الحارث ، وقد تقدم ذكره في أول هذا الكتاب عند عفوه صلى الله عليه وسلم ، وأما حديث جابر فلفظه : "أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذراع فأكل منها ، وأكل رهط من أصحابه معه ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ارفعوا أيديكم ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى اليهودية فدعاها فقال لها : أسممت هذه الشاة ؟ قالت له اليهودية : من أخبرك ؟ قال : أخبرتني هذه في يدي الذراع ، قالت : نعم ، قال : فما أردت إلى ذلك ؟ قالت : قلت : إن كان نبيا فلن يضره ، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه ، فعفا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ولم يعاقبها ، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة ، واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم - على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار " ، هكذا رواه أبو داود في سننه عن سليمان بن داود المهري ، ثنا ابن وهب ، أخبرنا عن ابن شهاب ، قال : "كان جابر بن عبد الله يحدث " ، فساق الحديث .

وقول العراقي في رواية مرسلة ، إلخ يشير إلى ما رواه أبو داود أيضا فقال : ثنا وهب بن بقية ، أخبرنا خالد عن محمد بن عمر ، وعن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ، نحو حديث جابر قال : فمات بشر بن البراء بن معرور ، فأرسل إلى اليهودية ، ما حملك على الذي صنعت ؟ فذكر نحو حديث جابر ، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة ، قال البيهقي في الدلائل : ورويناه عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر أمر بقتلها .

وأخرج البيهقي أيضا من طريق موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم - خيبر وقتل من قتل منهم أهدت زينب بنت الحارث اليهودية ، وهي ابنة أخي مرهب لصفية شاة مصلية ، وسمتها ، وأكثرت في الكتف والذراع ؛ لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم - على صفية ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، وأخو بني سلمة ، فقدمت إليهم الشاة المصلية ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها ، وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش منه ، فلما استرط رسول الله صلى [ ص: 184 ] الله عليه وسلم - لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : "ارفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة ، أن قد نعيت فيها فقال بشر بن البراء : والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت ، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك ، فلما أسغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ، ورجوت أن لا تكون استرطتها ، وفيها نعي فلم يقم بشر من مكانه ، حتى عاد لونه مثل الطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا ما حول " ، قال : وفي رواية ابن فليح قال الزهري : قال جابر : "وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعده ثلاث سنين ، كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عداء ، حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم - شهيدا " هذا لفظ حديث موسى بن عقبة ، ورواه البيهقي أيضا من طريق معمر عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : "أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم - شاة مصلية بخيبر ، فقال : ما هذه ؟ فقالت : هدية وحذرت أن تقول : من الصدقة فلا يأكل " ، ثم ساق الحديث ، وفي آخره : "فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم - على كاهله وأمر أصحابه فاحتجموا فمات بعضهم " ، قال الزهري : فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه وسلم - وأما الناس فيقولون قتلها النبي صلى الله عليه وسلم - .

(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر يوم بدر بمصارع صناديد قريش وقفهم على مصارعهم رجلا رجلا ، فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب اهـ .

قلت : رواه مسلم عن شيبان وغيره عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : تراءينا الهلال فما من الناس أحد يزعم أنه رآه غيري ، فقلت لعمر : "يا أمير المؤمنين أما تراه وجعلت أريه إياه فلما أعيا أن يراه ، قال : فأراه وأنا مستلق على فراشي ، ثم أنشأ يحدثنا عن يوم بدر ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا عن مصارع القوم بالأمس هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا ، هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا ، فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا تلك الحدود ، وجعلوا يصرعون عليها ، ثم ألقوا في القليب " ، الحديث ، ورواه أبو داود الطيالسي عن سليمان بن المغيرة .




الخدمات العلمية