الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال عطاء بن يسار قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أكذب على أهلي ؟ قال : لا خير في الكذب . قال : أعدها وأقول لها قال : لا جناح عليك .

وروي أن ابن أبي عذرة الدؤلي ، وكان في خلافة عمر رضي الله عنه كان يخلع النساء اللاتي يتزوج بهن فطارت ، له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علم بذلك أخذ بيد عبد الله بن الأرقم حتى أتى به إلى منزله، ثم قال ، لامرأته : أنشدك بالله هل تبغضيني ؟ قالت : لا تنشدني قال : فإني أنشدك الله . قالت : نعم ، فقال لابن الأرقم : أتسمع ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه فقال إنكم لتحدثون إني أظلم النساء وأخلعهن فاسأل ، ابن الأرقم فسأله ، فأخبره ، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة ، فجاءت هي وعمتها، فقال : أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ؟ فقالت : إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى ، إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ، فاكذبي ؛ فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ؛ فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب .

وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي : أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم ، لا محالة إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة أو يكون بين الرجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدث امرأته يرضيها وقال ثوبان الكذب كله إثم إلا ، ما نفع به مسلما أو دفع عنه ضررا .

وقال علي رضي الله عنه : إذا حدثتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فالحرب خدعة .

فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره .

التالي السابق


(وقال عطاء بن يسار) أبو محمد الهلالي المدني، ثقة، روى له الجماعة، (قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أكذب أهلي؟ قال: لا خير في الكذب. قال: أعدها) وعدا (وأقول لها) كذا وكذا أمنيها (قال: لا جناح عليك) وهذا مرسل، قال العراقي : رواه ابن عبد البر في التمهيد من رواية صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار مرسلا، وفي الموطإ عن صفوان بن سليم معضلا من غير ذكر عطاء بن يسار . (ويروى أن ابن أبي عذرة الدؤلي ، وكان في خلافة عمر ) رضي الله عنه (يخلع النساء اللاتي يتزوجهن، فطار له في الناس من ذلك أحدوثة) ، أي: سيرة يتناقلونها (يكرهها) حين يسمعها، (فلما علم بذلك قام بعبد الله بن أرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر وعمر ، وولي بيت المال لعمر ولعثمان يسيرا، وكان من خيار عباد الله، روى عنه عروة (حتى أدخله بيته، فقال لامرأته: أنشدك الله) أي: أسألك بالله: (هل تبغضينني؟ قالت: لا تنشدني) أي: لا تحلفني، (قال: فإني أنشدك بالله. قالت له: نعم،) أبغضك، (فقال لابن أرقم : أتسمع) ما قالت؟ (ثم انطلق إلى عمر ) رضي الله عنه، أي: هو وزيد بن أرقم ، (فقال) ابن أبي عذرة : (إنكم لتحدثون أني أظلم النساء فأخلعهن، فسل ابن أرقم ) ما جرى، (فسأله عمر ، فأخبره الخبر، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة ، فجاءت وعمتها) أي: مع عمتها، (فقال: أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه؟ فقالت: إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى، إنه ناشدني) أي: حلفني بالله (فتحرجت أن أكذب) ، أي: خفت أن أقع في الإثم إن كذبت، (أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فاكذبي؛ فإن كانت إحداكن) يا معشر النساء (لا تحب أحدنا) معشر الرجال، (فلا تحدثه بذلك؛ فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب) أخرجه الذهبي والإسماعيلي في مناقب عمر .

(وعن النواس بن سمعان) بن خالد العامري (الكلابي) رضي الله عنه، (قال: ما لي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش) ، أي: تتساقطون فيه تساقط هذا الحيوان الذي يرمي نفسه (في النار) ، أي: على ضوئها، (كل الكذب مكتوب كذبا، لا يحل له إلا أن يكذب الرجل في الحرب) ; فإنه لا يكتب عليه إثم في ذلك؛ (فإن الحرب خدعة) ، بل قد يجب إذا دعت إليه ضرورة أهل الإسلام، (أو يكون بين رجلين) ، أو قبيلتين، أو بين رجل وامرأته، (شحناء) أي: عداوة وإحن، (فيصلح بينهما أو يحدث امرأته يرضيها) ، أي: يمنيها ويعدها الترضي، فالكذب في هذه الأحوال غير محرم، بل قد يجب، قال العراقي : رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق، وفيه انقطاع، وضعف. اهـ. [ ص: 525 ] قلت: ورواه أيضا الطبراني وابن السني في اليوم والليلة، والخرائطي في مكارم الأخلاق بنحوه، (وقال ثوبان) رضي الله عنه: (الكذب كله إثم، لا ما نفع به مسلم أو دفع عنه) به ضرر، وقال إياس بن معاوية : الكذب عندي من يكذب فيما لا يضره ولا ينفعه، فأما رجل كذب كذبة يرد عن نفسه بها بلية أو يجر إلى نفسه بها معروفا، فليس عندي بكذاب . أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، (وقال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر) أي: أسقط (من السماء) إلى الأرض، (أحب إلي من أن أكذب عليه) ، فإن كذبا عليه ليس ككذب على أحد، (وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم) أي: في المحاورات، (فالحرب خدعة) ، وقد تقدم تحقيق هذه اللفظة في كتاب العلم، وتقدم بيان قول علي رضي الله عنه في كتاب الحلال والحرام، (فهذه) الخصال (الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها) أي: لها حكمها في أن يستثنى من التحريم (إذا ارتبط به غرض مقصود صحيح له أو لغيره) من إخوانه المسلمين .




الخدمات العلمية