وقول القائل : العرض لا عوض له ، فلا يجب الاستحلال منه ، بخلاف المال ، كلام ضعيف ، إذ قد وجب في العرض حد القذف ، وتثبت المطالبة به بل في الحديث الصحيح ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال :
ولا درهم إنما ، يؤخذ من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته وقالت " من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها ، منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار . رضي الله عنها لامرأة قالت لأخرى أنها طويلة الذيل : قد اغتبتيها فاستحليها فإذن لا بد ؛ من الاستحلال إن قدر عليه فإن كان غائبا أو ميتا ، فينبغي أن يكثر له الاستغفار والدعاء ويكثر ، من الحسنات . عائشة
فإن قلت : فالتحليل هل يجب ؟ فأقول : لا ؛ لأنه تبرع ، والتبرع فضل ، وليس بواجب ، ولكنه مستحسن ، وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة .
وكان بعض السلف لا يحلل، قال سعيد بن المسيب: : لا أحلل من ظلمني وقال : إني لم أحرمها عليه فأحللها له ، ؛ إن الله حرم الغيبة عليه ، وما كنت لأحلل ما حرم الله أبدا . ابن سيرين
فإن قلت : فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ينبغي أن يستحلها غير ممكن فنقول : المراد به وتحليل ما حرمه الله تعالى لا أن ينقلب الحرام حلالا وما قاله العفو عن المظلمة حسن في التحليل قبل الغيبة ؛ فإنه لا يجوز له أن ابن سيرين . يحلل لغيره الغيبة
فإن قلت : فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : كأبي ضمضم ، كان إذا خرج من بيته قال : اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس فكيف أيعجز أحدكم أن يكون ؟ ومن تصدق به، فهل يباح تناوله وإن كان لا تنفذ صدقته؟ فما معنى الحث عليه فنقول: معناه: إني لا أطلب مظلمة في القيامة منه، ولا أخاصمه، وإلا فلا تصير الغيبة حلالا به، ولا تسقط المظلمة عنه; لأنه عفو قبل الوجوب، إلا أنه وعد، وله العزم على الوفاء بأن لا يخاصم، فإن رجع وخاصم كان القياس كسائر الحقوق، إن له ذلك; بل صرح الفقهاء بأن يتصدق بالعرض ، ومظلمة الآخرة مثل مظلمة الدنيا، وعلى الجملة، فالعفو أفضل، قال الحسن إذا جثت الأمم بين يدي الله تعالى نودوا: ليقم من كان له أجر على الله. فلا يقوم إلا العافون عن الناس في الدنيا قال الله تعالى من أباح القذف لم يسقط حقه من حد القاذف خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ، ما هذا العفو؟ فقال ؟ قال: إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك وروي عن الحسن أن رجلا قال له : إن فلانا قد اغتابك فعبث ، إليه رطبا على طبق ، وقال: قد بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك ، فأردت أن أكافئك عليها ، فاعذرني فإني ، لا أقدر أن أكافئك على التمام .