الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكل خلق من هذه الأخلاق ، وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها ، وتنفر عن قبحها ، ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس ، فإذا انمحت عن النفس ، فقد زكت وتطهرت ، عن هذه الرذائل ، وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها .

ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ، ورجولية ، وعزة نفس ، وكبر همة ، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه ، وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة ، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه ، وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل ، بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل .

فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى إنه يغضب على أهله ، وولده ، وأصحابه .

بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم ، والعفو ، وما استحسن منهم من كظم الغيظ فإن ذلك منقول عن الأنبياء والأولياء ، والحكماء ، والعلماء ، وأكابر الملوك الفضلاء وضد ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة ، والأغبياء الذين لا عقول لهم ، ولا فضل فيهم .

التالي السابق


(وكل خلق من هذه الأخلاق، وصفة من هذه الصفات تفتقر في علاجه إلى رياضة) ، وتهذيب (وتحمل مشقة) ، وكلفة، (وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها) ودسائسها (لترغب النفس عنها، وتنفر عن قبحها، ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة) مع التكرار (مألوفة هينة على النفس، فإذا انمحت عن) لوح (النفس، فقد زكيت، وطهرت عن هذه الرذائل، وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها) لا محالة، فإنها إذا طهرت عن أسباب الغضب لم يكن للغضب إليها سبيل .

(ومن أشد البواعث للغضب عند أكثر الجهال) من العوام (تسميتهم الغضب شجاعة، ورجولية، وعزة نفس، وكبر همة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة) المرضية (غباوة وجهلا) بحقائق الأمور، (حتى تميل النفس إليه، وتستحسنه) وتختاره، (وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح) ، والاستحسان (بالشجاعة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر) ، والتزيي بزيهم (فيهيج الغضب في القلب بسببه، وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل، بل هو مرض [ ص: 20 ] ونقصان عقل) وجنون، (وهو لضعف النفس ونقصانها) عن درجة الكمال، (وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح) فلنقصان صحته، وكونها مزالة عن حد الاعتدال يتسرع إلى الغضب، ولا يتحمل سماع كلمة تخالف مزاجه، (والمرأة أسرع غضبا من الرجل) ؛ لنقصان فيها، (والصبي أسرع غضبا من الكبير) ; لأنه لم يبلغ إلى حد الكمال، (والشيخ الضعيف) الذي فنيت قوته (أسرع غضبا من الكهل) الذي بقيت قوته بعد; لأنه في سن الانحطاط، وهو الأربعين إلى الستين، وأما الشيخ فهو من الستين إلى آخر العمر، (وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل، فالرذل) المتنكس الخلق، (يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة) والشربة، (ولبخله إذا فاتته الحبة) من المال (حتى يغضب على أهله، وولده، وأصحابه) في أمور حقيرة، (بل القوي من يملك نفسه عند الغضب، قال صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة) الذي يصرع الناس فيغلبهم، (إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب) تقدم قريبا، (بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل) الأحمق (بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم، والعفو، وما استحسن منهم من كظم الغيظ) ، والتحلم، والتجاوز، (فإن ذلك منقول عن الأنبياء، والحكماء، والعلماء، وأكابر الملوك الفضلاء) ، وقد جمع غالب ذلك في كتب معروفة، (وضد ذلك منقول عن الأتراك والأكراد) ، والأجلاف من أهل البادية (والجهلة، والأغبياء الذين لا عقل لهم، ولا فضل) ، فليستمع تلك الأخبار، وما حكي عن الفريقين، ويتهذب بأخلاق الأولين من الصالحين، ويتشبه بهم، ويبعد نفسه عن أحوال المسترذلين، ويتجنب عنها .




الخدمات العلمية