الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة العفو والإحسان .

اعلم أن معنى العفو أن يستحق حقا فيسقطه ويبرئ ، عنه من قصاص ، أو غرامة وهو غير الحلم ، وكظم الغيظ فلذلك ; أفردناه ، قال الله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث والذي نفسي بيده لو كنت حلافا لحلفت عليهن ما نقص مال من صدقة فتصدقوا ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر .

وقال صلى الله عليه وسلم : التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله والعفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما وقال عقبة لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فابتدرته فأخذت بيده ، أو بدرني فأخذ بيدي ، فقال : يا عقبة ، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة ? تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك وقال صلى الله عليه وسلم : قال موسى عليه السلام يا رب ، أي عبادك أعز عليك؟ قال : الذي إذا قدر عفا وكذلك سئل أبو الدرداء عن أعز الناس ? قال : الذي يعفو إذا قدر ، فاعفوا يعزكم الله وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو مظلمة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس ، وأراد أن يأخذ له بمظلمته ، فقال له صلى الله عليه وسلم : إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة فأبى أن يأخذها حين سمع الحديث وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دعا على من ظلمه ، فقد انتصر وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بعث الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات : يا معشر الموحدين ، إن الله عفا عنكم ، فليعف بعضكم عن بعض .

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت ، وصلى ركعتين ، ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : ما تقولون ، وما تظنون ? فقالوا : نقول : أخ ، وابن عم حليم رحيم ، قالوا ذلك ثلاثا ، فقال صلى الله عليه وسلم : أقول كما قال يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، قال : فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام وعن سهيل بن عمرو قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وضع يديه على باب الكعبة ، والناس حوله ، فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم قال : يا معشر قريش ، ما تقولون وما تظنون ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، نقول خيرا ، ونظن خيرا ، أخ كريم وابن عم رحيم ، وقد قدرت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وقف العباد نادى مناد ، ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة ، قيل ومن : ذا الذي له على الله أجر ? قال : العافون عن الناس فيقوم ، كذا ، وكذا ألفا فيدخلونها ، بغير حساب .

وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتى بحد إلا أقامه ، والله عفو يحب العفو ، ثم قرأ وليعفوا وليصفحوا الآية : وقال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين حيث شاء ; من أدى دينا خفيا وقرأ في دبر كل صلاة قل هو الله أحد عشر مرات ، وعفا عن قاتله قال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله ، قال : أو إحداهن .

التالي السابق


(فضيلة العفو)

(اعلم) هداك الله تعالى (أن معنى العفو أن تستحق حقا، فتسقطه، وتبرأ عنه من قصاص، أو غرامة) يقال: غرمت الدية والكفالة إذا أديته بعدما ألزمك غرما، ومغرما، وغرامة (وهو غير الحلم، وكظم الغيظ; ولذلك أفردناه، وقد قال الله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف الآية) ، وقد تقدم الكلام عليه في آداب الصحبة، (وقال تعالى: وأن تعفوا أقرب للتقوى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث) خصال (والذي نفسي بيده إن كنت حالفا لحلفت عليهن) ، أي: على حقيقتهن: (ما نقصت صدقة من مال) كذا [ ص: 39 ] في النسخ، والمعنى ما نقص مال من صدقة، فإنه وإن نقص في الدنيا، فنفعه في الآخرة باق، فكأنه ما نقص، وليس معناه أن المال لا ينقص حسا، قال ابن عبد السلام: ولا أن الله يخلف عليه; لأن هذا معنى مستأنف (فتصدقوا) ، ولا تبالوا بالنقص الحسي (ولا عفا رجل عن مظلمة) ظلمها (فيبتغى بها وجه الله إلا زاده بها عزا يوم القيامة، ولا فتح رجل) على نفسه (باب مسألة) فيسأل الناس، ويظهر لهم الفقر، والحاجة، وهو بخلاف ذلك (إلا فتح الله عليه باب فقر) لم يكن له في حساب بأن يسلط على ما في يده من الأموال فيتلفها حتى يعود فقيرا محتاجا على حالة أسوأ مما أذاع عن نفسه جزاء على فعله، ولا يظلم ربك أحدا .

رواه ابن أبي الدنيا هكذا في ذم الغضب من حديث عبد الرحمن بن عوف، وفي رواية له: ثلاث أقسم عليهن; ما نقص مال قط من صدقة، فتصدقوا، ولا عفا رجل عن مظلمة ظلمها إلا زاده الله بها عزا فاعفوا يزدكم الله، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله عليه باب فقر، وقال العراقي: رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري، وقال: حسن صحيح، ولمسلم، وأبي داود نحوه من حديث أبي هريرة. انتهى .

قلت: لفظ حديث أبي كبشة: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله - عز وجل - عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، وأحدثكم حديثا فاحفظوه; إنما الدنيا لأربعة نفر، فذكر حديثا طويلا، وقد رواه أحمد بطوله في مسنده، وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه العراقي لفظه: ثلاث أعلم أنهن حق; ما عفا امرؤ عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة فيبتغي بها كثرة إلا زاده الله بها فقرا، وما فتح رجل على نفسه باب صدقة فيبتغي بها وجه الله تعالى إلا زاده الله كثرة، وقد رواه كذلك البيهقي، (وقال صلى الله عليه وسلم: التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة) في الدنيا; لأنه بالتواضع لهم يعظم في القلوب، وترتفع منزلته في النفوس، (فتواضعوا يرفعكم الله) تعالى في الدنيا بوضع القبول في القلوب، وإعظام المنزلة في الصدور، وفي الآخرة بتكثير الأجر، وإعظام القدر، كما ذكره العلائي، وغيره، فحمله على الدنيا فقط، أو على الآخرة فقط، في الثلاثة غير سديد، والعفو لا يزيد العبد إلا عزا; لأن من عرف بالعفو ساد، وعظم في القلوب، فهو على ظاهره، أو المراد عزه في الآخرة بكثرة الثواب، وترك العقاب (فاعفوا يعزكم الله) في الدارين (والصدقة لا تزيد مالا إلا كثرة) بمعنى أنه يبارك فيه، وتندفع عنه المفسدات، فينجبر نقص الصورة بذلك (فتصدقوا يرحمكم الله) ، أي: يضاعف عليكم رحمته بإضعافه لكم أجرها .

قالوا: وهذا من جوامع الكلم .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث محمد بن عمير العبدي، وقال العراقي: رواه أبو الشيخ الأصبهاني في الترغيب والترهيب، والديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف، (وقالت عائشة - رضي الله عنها -: ما رأيت) ، أي: ما علمت (رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا) ، أي: منتقما (من مظلمة) بفتح اللام والميم ما أخذ أو نيل من معصوم عدوانا، سواء كانت في البدن، أو العرض، أو المال، أو الاختصاص (ظلمها) المنصوب على الأول مفعول مطلق، وعلى الثاني: مفعول به، وظلم يتعدى لمفعولين كما في القاموس، خلافا لمن زعم قصره على واحد، فلقد ظلم بها (قط) ، وإنما لم ينتقم صلى الله عليه وسلم منه مع أن مرتكبها قد باء بإثم عظيم؛ لأنه حق آدمي يسقط بعفوه، بخلاف حقوق الله تعالى التي ذكرها بقوله: (ما لم تنتهك محارم الله تعالى) ، أي: ترتكب، والمحارم جمع محرم; أي: شيء حرمه الله على عباده، فإن قلت: مظلمته صلى الله عليه وسلم إيذاء له، وإيذاؤه كفر، وهو حينئذ حق الله تعالى، فكيف يسقط بعفوه؟قلت: لا نسلم أن مطلق إيذائه كفر; ألا ترى فيمن جذب رداءه حتى أثر في عنقه، فعفا عنه، وأعطاه حمل بعيريه، والحاصل أن إيذاءه لا يصدر إلا من مسلم جاف، وهذا له نوع عذر، فلم يكفر، وعفا عنه، أو من منافق، وقد أمر بتحمل أذاهم; لئلا ينفر الناس عنه، أو من كافر معاهد، فمصلحة تألفه اقتضت عدم مؤاخذته بجريمته، أو من حربي، وهو غير ملتزم للأحكام،، (فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم غضبا) ، فينتقم لمن ارتكب ذلك; لما علمت أنه لا يقبل العفو، ومن المحارم التي ينتقم بها، [ ص: 40 ] ولا يعفو عنها حق الآدمي إذا هم في طلبه، وفي الحث على العفو، والحلم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى، وأنه ليس لكل ذي ولاية التخلق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حق الله تعالى، على أنهم قد أجمعوا أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي لنفسه، ولا لمن تقبل شهادته له كأبيه، وابنه، ولا ينافي هذا الحديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل، ونحوه ممن كان يؤذيه; لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله تعالى، أو أن عفوه إنما كان في غير ذنب يكفر به مرتكبه كمن رفع صوته عليه، ومن جذبه بردائه حتى أثر في رقبته بخلاف أولئك، فإنهم كفروا بإيذائه، فلم يمكنه العفو عنهم، ومن ثم اقتص صلى الله عليه وسلم ممن نال عرضه، (وما خير) صلى الله عليه وسلم (بين أمرين إلا اختار أيسرهما) إما بأن يخيره الله تعالى فيما فيه عقوبتان فيختار الأخف، أو في قتال الكفار وأخذ الجزية، فيختار أخذها، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة، والاقتصاد فيختار الاقتصاد، وإما بأن يخيره المنافقون، أو الكفار، فعلى هذا يتصور قوله: (ما لم يكن مأثما) ، أي: إثما، كما في رواية البخاري، وفيها أيضا: فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وفي رواية الطبراني: ما لم يكن لله فيه سخط، وعلى الأول يكون الاستثناء منقطعا; إذ لا يتصور تخيير الله تعالى إلا بين جائزين .

رواه الترمذي في الشمائل، واللفظ له .

رواه البخاري ومسلم، والحاكم، والطبراني بنحوه، وعند الحاكم: ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر، وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب في سبيل الله، ولا سئل شيئا قط فمنعه، إلا أن يسأل مأثما، ولا انتقم لنفسه من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى فيكون لله، فينتقم.

(وقال عقبة بن عامر) الجهني - رضي الله عنه -: (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرته فأخذت بيده، أو بدرني فأخذ بيدي، فقال: يا عقبة، ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟) قلت: نعم، فقال: (تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في مكارم الأخلاق، والبيهقي في الشعب بإسناد ضعيف، وقد تقدم، وقلت: روى أحمد، والطبراني أيضا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال موسى) - عليه السلام -: (يا رب، أي عبادك أعز عليك؟ قال: الذي إذا قدر عفا) .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة، وفيه ابن لهيعة، (ولذلك سئل أبو الدرداء) - رضي الله عنه - (من أعز الناس؟ قال: الذي يعفو إذا قدر، فاعفوا يعزكم الله) ، وروي نحو ذلك من حديث عبد الله بن عوف.

رواه ابن أبي الدنيا، وقد ذكر قريبا (وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو مظلمة) ظلمها (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس، وأراد أن يأخذ له بمظلمته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المظلومين) في الدنيا (هم المفلحون) ، أي: الفائزون (يوم القيامة) بالأجر الجزيل، والنجاة من النار، ورفع الدرجات، والانتقام لهم ممن ظلمهم، والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم (فأبى أن يأخذها حين سمع الحديث) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، عن أبي صالح الحنفي - هو عبد الرحمن بن قيس - مرسلا .

قلت: ورواه كذلك في كتاب ذم الغضب، ورستة في كتاب الإيمان، وأبو صالح الحنفي هو عبد الرحمن بن قيس، تابعي جليل (وقالت عائشة) - رضي الله عنها -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا على من ظلمه، فقد انتصر) ، أي: أخذ من عرض الظالم، فنقص من ثواب المظلوم بحسبه، ففيه إخبار بأن من انتصر، ولو بلسانه، فقد استوفى حقه، فلا إثم عليه، ولا أجر له، فالحديث تعريض بكراهة الانتصار، وندب العفو; ليصير أجره على الله، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور .

رواه ابن أبي شيبة، والترمذي، وأبو يعلى، وابن أبي الدنيا في ذم الغضب، قال الترمذي في العلل: إنه سأل عنه البخاري، فقال: لا أعلم أحدا رواه غير أبي الأحوص، لكن هو من حديث أبي حمزة، وضعف أبا حمزة جدا .

(وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بعث الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات: يا معشر الموحدين، إن الله قد عفا عنكم، فليعف بعضكم عن بعض) .

قال العراقي: [ ص: 41 ] رواه أبو سعد أحمد بن إبراهيم المقري في كتاب التبصرة والتذكرة بلفظ: ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة: يا أمة محمد، إن الله تعالى يقول: ما كان لي قبلكم وهبته لكم، وبقيت التبعات، فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي، وإسناده ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ: ينادي مناد: يا أهل الجمع تتاركوا المظالم بينكم، وثوابكم علي.

وله من حديث أم هانئ: ينادي مناد: يا أهل التوحيد، ليعف بعضكم عن بعض، وعلي الثواب، وهو ضعيف أيضا، (وعن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت، وصلى ركعتين، ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب، فقال: ما تقولون، وما تظنون؟ فقالوا: نقول: أخ، وابن عم حليم رحيم، قالوا ذلك ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، قال: فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو، وفي ذم الغضب، ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الوفاء، وفيه ضعف، قاله العراقي.

قلت: ورواه بهذا السياق البيهقي في دلائل النبوة، (وعن سهيل بن عمرو) بن عبد شمس بن عبد ود العامري، أحد أشراف قريش، وخطبائهم، وكان أعلم الشفة، وهو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية، وكلامه ومراجعته للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في الصحيحين، وغيرهما .

مات بالشام في طاعون عمواس (قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وضع يديه على بابي الكعبة، والناس حوله، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم قال: يا معشر قريش، ما تظنون؟ وما تقولون؟ قال سهيل: قلت: يا رسول الله، نقول خيرا، ونظن خيرا ، أخ كريم، وقد قدرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ) .

قال العراقي: لم أجده .

قلت: بل رواه أحمد بن زنجويه في كتاب الأموال من طريق ابن أبي حسين، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، ثم خرج فوضع يده على عضادتي الباب، فقال: ماذا تقولون؟ فقال سهيل بن عمرو: نقول خيرا، وننطق خيرا ، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت ، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم ، وفي الباب عبد الله بن عمرو، وابن عباس.

أما حديث ابن عمرو، فقد أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة التفت إلى الناس، فقال: ما تقولون؟ وما تظنون؟ فقالوا: ابن عم كريم، فقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ، وأما حديث ابن عباس، فأخرجه ابن مردويه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مكة، ماذا تظنون؟ ماذا تقولون؟ قالوا: نظن خيرا، ونقول خيرا في ابن عم كريم، قد قدرت، قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، والتثريب هو التعيير، (وعن أنس) - رضي الله عنه - (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقف العباد نادى مناد، ليقم من أجره على الله، فليدخل الجنة، قيل: من ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس، فقام كذا، وكذا ألفا، فدخلوها بغير حساب) .

قال العراقي: رواه الطبراني في مكارم الأخلاق، وفيه الفضل بن بشار، ولا يتابع على ذلك حديثه. ا ه .

قلت: وروى ابن عساكر من حديث علي: ينادي مناد يوم القيامة من بطنان العرش: ألا فليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه، (وقال ابن مسعود) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتى بحد) من حدود الله تعالى (إلا أقامه، والله عفو يحب العفو، ثم قرأ: وليعفوا وليصفحوا ) .

قال العراقي: رواه أحمد، والحاكم، وصححه، وتقدم في الصحبة (وقال جابر) بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث) ، أي: ثلاث خصال (من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب [ ص: 42 ] الجنة شاء) ، أي: يخير في دخول أيها شاء، (وزوج) بالبناء للمفعول، أي: زوجه الله (من الحور العين) في الجنة (حيث شاء; من أدى دينا خفيا) إلى مستحقه بأن لم يكن عالما به كأن ورثه من أبيه، ولم يشعر به (وقرأ في دبر كل صلاة) مكتوبة من الخمس - كما في رواية - ( قل هو الله أحد ) ، أي: سورتها (عشر مرات، وعفا عن قاتله) بأن ضربه ضربا قاتلا، فعفا عنه قبل موته .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، وفي الدعاء بسند ضعيف. ا ه .

قلت: ورواه أيضا أبو يعلى في مسنده، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأبو نعيم في الحلية في ترجمة بشر بن منصور، كلهم من طريق عمر بن نبهان ، عن أبي راشد، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر بن نبهان ضعيف جدا، وقيل: متروك، وعند أبي يعلى زيادة في آخر الحديث، (فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله، قال: أو إحداهن) ، وروى ابن عساكر من حديث ابن عباس بلفظ: ثلاث من كن فيه، أو واحدة منهن، فليتزوج من الحور العين حيث شاء; رجل ائتمن على أمانة فأداها مخافة الله - عز وجل -، ورجل خلى عن قاتله، ورجل قرأ في دبر كل صلاة قل هو الله أحد عشر مرات، وإسناده ضعيف أيضا .




الخدمات العلمية