الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآثار قال بعض السلف : أول خطيئة هي الحسد حسد إبليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى أن يسجد له فحمله على الحسد والمعصية وحكي أن عون بن عبد الله دخل على الفضل بن المهلب وكان يومئذ على واسط فقال : إني أريد أن أعظك بشيء ، فقال وما هو قال : إياك والكبر ، فإنه أول ذنب عصي الله به ، ثم قرأ : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس الآية ، وإياك والحرص ، فإنه أخرج آدم من الجنة ، أمكنه الله سبحانه من جنة عرضها السموات والأرض يأكل منها إلا شجرة واحدة نهاه الله عنها ، فأكل منها ، فأخرجه الله تعالى منها ثم قال: اهبطوا منها إلى آخر الآية ، وإياك والحسد فإنما ، قتل ابن آدم أخاه حين حسده ، ثم قرأ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق الآيات ، وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك وإذا ذكر القدر فاسكت وإذا ذكرت النجوم فاسكت وقال بكر بن عبد الله كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك فيقول : أحسن إلى المحسن بإحسانه ، فإن المسيء سيكفيه إساءته ، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام ، فسعى به إلى الملك ، فقال : إن هذا الذي يقوم بحذائك ، ويقول ما يقول ، زعم أن الملك أبخر فقال له الملك : وكيف يصح ذلك عندي ? قال تدعوه : إليك ، فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه ؛ لئلا يشم ريح البخر ، فقال له : انصرف حتى أنظر فخرج من عند الملك ، فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم ، فخرج الرجل من عنده ، وقام بحذاء الملك على عادته ، فقال أحسن إلى المحسن بإحسانه ، فإن المسيء سيكفيه إساءته ، فقال له الملك ادن : مني ، فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم ، فقال الملك في نفسه : ما أرى فلانا إلا قد صدق قال : وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة ، أو صلة ، فكتب له كتابا بخطه إلى عامل من عماله : إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه ، واسلخه ، واحش جلده تبنا ، وابعث به إلي ، فأخذ الكتاب ، وخرج فلقيه ، الرجل الذي سعى به ، فقال : ما هذا الكتاب قال : خط الملك لي بصلة ، فقال : هبه لي ، فقال : هو لك ، فأخذه ومضى به إلى العامل ، فقال العامل : في كتابك أن أذبحك ، وأسلخك ، قال : إن الكتاب ليس هو لي فالله ، الله في أمري حتى تراجع الملك فقال : ليس لكتاب الملك مراجعة ، فذبحه ، وسلخه وحشى ، جلده تبنا ، وبعث به ، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته ، وقال مثل قوله فعجب ، الملك ، وقال : ما فعل الكتاب ، فقال : لقيني فلان فاستوهبه ، مني ، فوهبته له قال له ، الملك : إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال ما قلت ذلك ، قال فلم وضعت يدك على فيك ، قال لأنه أطعمني طعاما فيه ثوم ، فكرهت أن تشمه ، قال : صدقت ، ارجع إلى مكانك ، فقد كفاك المسيء إساءته وقال ابن سيرين رحمه الله ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا ; لأنه إن كان من أهل الجنة ، فكيف أحسده على الدنيا ، وهي حقيرة في الجنة ، وإن كان من أهل النار ، فكيف أحسده على أمر الدنيا ، وهو يصير إلى النار وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن؟ قال ما أنساك بني يعقوب نعم ، ولكن غمة في صدرك فإنه ، لا يضرك ما لم تعد به يدا ولا ، لسانا وقال أبو الدرداء: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده وقال معاوية كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة ، فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل :


كل العداوات قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد

وقال بعض الحكماء : الحسد جرح لا يبرأ ، وحسب الحسود ما يلقى وقال أعرابي : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه وقال الحسن يا ابن آدم ، لم تحسد أخاك ، فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه ، فلم تحسد من أكرمه الله ، وإن كان غير ذلك ، فلم تحسد من مصيره إلى النار وقال بعضهم : الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة ، وذلا ، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة ، وبغضا ، ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما ، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا .

التالي السابق


(الآثار)

(قال بعض السلف: إن أول خطيئة كانت ) ، أي: وجدت (هي الحسد) ؛ وذلك أنه ( حسد إبليس آدم) على ما شرفه وآتاه من فضله، (فأبى أن يسجد له فحمله على المعصية) ، وهو مأخوذ من حديث ابن مسعود الذي تقدم ذكره قريبا، وأورده القشيري في الرسالة بسنده، وفيه: فهن أصل الخطيئة (وحكى أن عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المكي، عابد ثقة، روى له مسلم، والأربعة، مات قبل العشرين ومائة (دخل على الفضل) كذا في النسخ، والصواب: المفضل (بن المهلب) بن أبي صفرة ظالم بن سراق العتكي ، أبو غسان، البصري، صدوق، من مشاهير الأمراء، روى له أبو داود، والنسائي، ووالده المهلب، يكنى أبا سعيد، بصري، من ثقات الأمراء، وله رواية مرسلة، قال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أميرا أفضل منه، مات سنة اثنتين وثمانين على الصحيح، وخلف ثلاثة وعشرين ذكرا، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي (وكان يومئذ بواسط) مدينة بالعراق اختطها الحجاج، وكان عاملا عليها من طرف أخيه يزيد بن المهلب، وكان أخوه يزيد واليا على البصرة، بل على العراق جميعه، فلما كانت سنة اثنتين ومائة ندب يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك في جيش كثيف إلى قتال يزيد بن المهلب; إذ بلغه أنه دعا الناس إلى نفسه، والتقيا يوم الجمعة منتصف صفر بعقر بابل، فقتل يزيد، ومن معه من إخوته، وأولادهم، وعدتهم ثمانية وعشرون إنسانا إلا المفضل، فإن ابنه احتال عليه بأن قال: الأمير - يعني يزيد - قد مضى، ويقول لك: اتبعني، فانصرف عند ذلك، ولما عرف الخبر أنكر على ابنه فعله، وشد عليه بالسيف، وقال: ما أراك إلا أن تفضح شيخا مثلي، وكان معاوية بن يزيد إذ ذاك بواسط، فأخذ عيال أبيه، وثقله، وانحدر إلى البصرة، ولحق بهم المفضل ومن معه، واجتمع بها آل المهلب، وأنفذ مسلمة بن عبد الملك مالك بن أحوز المزني في طلب من هرب من آل المهلب، وأمره بقتل كل من بلغ منهم، فقتل المفضل بن المهلب، وسائر ولد المهلب الباقين، ولم يدع بالغا منهم إلا قتله، (فقال: إني أريد أن أعظك بشيء، فقال: ما ذاك؟ فقال: إياك والكبر، فإنه أول ذنب عصي الله به، ثم قرأ: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ، وإياك والحرص، فإنه أخرج آدم من الجنة، أمكنه الله من جنة عرضها السماوات والأرض يأكل منها إلا شجرة واحدة نهاه الله عنها، فأكل منها، فأخرجه، ثم قرأ: اهبطا منها جميعا إلى آخر الآية، وإياك والحسد، فإنه قتل ابن آدم أخاه حين حسده، ثم قرأ: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ، وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسكت) ، أي: لا تذكرهم بسوء، (وإذا ذكر القدر فاسكت) ، فإنه سر من أسرار الله لا ينبغي الخوض فيه، (وإذا ذكرت النجوم فاسكت) وأول هذا الأثر قد روي مرفوعا من حديث ابن مسعود، قال القشيري في الرسالة: أخبرنا أبو الحسن الأهوازي، أخبرنا أحمد بن عبيد البصري، حدثنا إسماعيل بن الفضل، حدثنا يحيى بن مخلد، حدثنا معاذ بن عمران، عن الحرث بن شهاب، عن معبد بن أبي قلابة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة هن أصل كل خطيئة، فاتقوهن واحذروهن: إياكم والكبر، فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم ، وإياكم والحرص، فإن آدم حمله الحرص على أن يأكل من الشجرة، وإياكم والحسد فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا، وقد تقدم ذلك .

وأخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود، ومن حديث ثوبان: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا.

ورواه أيضا ابن عدي من حديث ابن عمر (وقال بكر بن عبد الله) المزني: (كان رجل يغشى بعض الملوك) ، أي: يدخل عليه (فيقوم بحذاء الملك) ، أي: في مقابلته (فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه إساءته، فحسده [ ص: 56 ] رجل على ذلك المقام) من الملك (والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك، ويقول ما يقول، زعم أن الملك أبخر) ، وهو الذي فسد ريح فمه، (فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك إذا أخذ مقامه، فإنه إذا دنا منك يضع يده على أنفه؛ لئلا يشم ريح البخر، فقال له: انصرف حتى أنظر) صحة ذلك (فخرج من عند الملك، فدعا الرجل) المذكور (إلى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال) على عادته قوله: أيها الملك (أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه مساويه، فقال له الملك: ادن مني، فدنا فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا قد صدق) في قوله (قال: وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة، أو صلة، فكتب له كتابا بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي فاذبحه، واسلخه، واحش جلده تبنا، وابعث به إلي، فأخذ الكتاب، وخرج، فقابله الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه مني، فقال: هو لك، فأخذه ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك أن أذبحك، وأسلخك، قال: إن الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه، وسلخه، وحشا جلده تبنا ، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فتعجب الملك، وقال: ما فعل الكتاب، فقال: لقيني فلان، واستوهبه مني، فوهبته له، فقال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أنني أبخر، قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على أنفك، قال: كان أطعمني طعاما فيه ثوم، فكرهت أن تشمه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء إساءته) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن حمزة، حدثنا علي بن سهل، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، قال: كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له حاجب يقربه، ويدنيه، وكان هذا الحاجب يقول: أيها الملك، أحسن إلى المحسن، ودع المسيء تكفيه إساءته، قال: فحسده رجل على قربه من الملك، فسعى به، فقال: أيها الملك، إن هذا الحاجب عدو يخبر الناس أنك أبخر ، قال: وكيف لي بأن أعلم ذلك، قال: إذا دخل تدنيه تكلمه، فإنه يقبض على أنفه، قال: فذهب الساعي، فدعا الحاجب إلى دعوته، واتخذ مرقة، وأكثر فيها الثوم، فلما كان من الغد دخل الحاجب، فأدناه الملك يكلمه بشيء، فقبض على فيه، فقال له: تنح، فدعا بالدواة، وكتب له كتابا، وختمه، وقال: اذهب بهذا إلى فلان، وكانت جائزته مائة ألف، فلما أن خرج استقبله الساعي، فقال: أي شيء هذا؟ قال: قد دفعه لي الملك، فاستوهبه، فوهبه، فأخذ الكتاب ومر، فلما أن فتحوا الكتاب دعوا بالذباحين، فقال: اتقوا الله يا قوم، فإن هذا غلط وقع علي، وعاودوا الملك، فقالوا: لا يتهيأ لنا معاودة الملك، وكان في الكتاب: إذا أتاكم حامل كتابي هذا فاذبحوه، واسلخوا جلده، واحشوه بالتبن، ووجهوه إلي فذبحوه، وسلخوا جلده، ووجهوه له، فلما أن رآه الملك تعجب، فقال: تعال، وحدثني، واصدقني، لم إذ أدنيتك قبضت على أنفك؟ فقال: أيها الملك، إن هذا دعاني إلى دعوته، واتخذ مرقة، وأكثر فيها الثوم، وأطعمني، فلما أدناني الملك قلت: يتأذى الملك بريح الثوم، فقال: ارجع إلى مكانك، وقل ما كنت تقوله، ووصله بمال عظيم، أو كما ذكره .

(وقال محمد بن سيرين) - رحمه الله تعالى -: (ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا; لأنه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على الدنيا، وهي حقيرة في الجنة، وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على أمر الدنيا، وهو يصير إلى النار) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد، (وقال رجل للحسن) البصري - رحمه الله تعالى -: هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب - عليه السلام - حين حسدوا يوسف لمكانته [ ص: 57 ] عند أبيهم (نعم، ولكن غمة في صدرك، وأنه لا يضرك ما لم تعديه يدا، أو لسانا) ، أي: تجاوز عما في صدرك إلى عمل اليد أو اللسان، أخرجه أبو نعيم في الحلية .

عن عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن نصير، حدثنا إسماعيل بن عمر، وحدثنا مالك بن مغول، أراه عن عبد الملك بن عمير، قال: قال أبو الدرداء: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده، ورواه أيضا عن عبد الرحمن بن العباس، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا ابن خراش، عن العوام ، عن إبراهيم التيمي، عن أبي الدرداء، فذكره .

(وقال معاوية) - رضي الله عنه -: (كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها) . أخرجه القشيري في الرسالة من غير إسناد .

(ولذلك قيل:

كل العداوة قد ترجى إماتتها )

، ويروى: مودتها

( إلا عداوة من عاداك من حسد )

أورده القشيري في الرسالة .

(وقال بعض الحكماء: الحسد جرح لا يبرأ، وحسب الحسود ما يلقى) ، أي: من الألم في قلبه في الدنيا، والعذاب في الآخرة، (وقال أعرابي: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد أنه يرى النعمة عليك غمة عليه) ، وقد روي نحو ذلك من قول عمر بن عبد العزيز: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد; غم دائم، ونفس متتابع .

كذا في الرسالة القشيرية، وروي أيضا من قول الخليل بن أحمد: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد; نفس دائم، وعقل هائم، وحزن لائم .

رواه البيهقي في الشعب .

(وقال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى -: (يا ابن آدم، لم تحسد أخاك، فإن كان الذي أعطاه لكرامة عليه، فلم تحسد من أكرمه الله تعالى، وإن كان غير ذلك، فلم تحسد من مصيره إلى النار) . أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد .

(وقال بعضهم: الحاسد لا ينال من المجالس إلا ملامة، وذلا، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة، وبغضا، ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما، ولا ينال عند الفزع إلا شدة وهولا، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد، ومما بقي من الآثار مما يدخل في الباب .

قال الأحنف بن قيس: لا راحة لحسود.

أخرجه البيهقي في الشعب، وروى ابن عمر أن إبليس قال لنوح: اثنتان أهلك بهما بني آدم: الحسد، وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما، والحرص أبيح آدم الجنة كلها ، فأصبت حاجتي منه بالحرص.

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد .

قيل: الحسود لا يسود .

رواه القشيري في الرسالة، وهو صحيح المعنى، والمشهور على الألسنة: الحسود لا يسود أبدا، والبخيل تأكل ماله العدا .

وفي الرسالة: وقيل: في قوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن قيل: ما بطن الحسد .

قلت: والمشهور ما بطن من معاصي القلب من حسد وغيره; كالعجب، والحقد، وسوء الظن. قال: وقيل: أثر الحسد يستبين فيك قبل أن يتبين في عدوك، وقال الأصمعي: رأيت أعرابيا أتت عليه مائة وعشرون سنة، فقلت: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت، وقال ابن المبارك: الحمد لله الذي لم يجعل في قلب امرئ ما جعله في قلب حاسدي، وفي بعض الآثار: إن في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل عبد له ضوء كضوء الشمس، فيقول له الملك: قفه، فأنا ملك الحسد أضرب به وجه صاحبه، فإنه حاسد، ويقال: الحاسد ظالم غشوم لا يبقي ولا يذر. وقيل: من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت. وقال معاوية: ليس في خلال الشر خلة أعدل من الحسد، يقتل الحاسد غما قبل المحسود، وقيل: أوحى الله إلى سليمان بن داود - عليهما السلام -: أوصيك بسبعة أشياء: لا تغتابن صالح عبادي، ولا تحسدن أحدا من عبادي، فقال سليمان - عليه السلام -: يا رب، حسبي، وقيل: الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت، وقيل: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فلبس عليك أمرك، وقيل: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، وقيل: إياك أن تعتني في مودة من يحسدك، فإنه لا يقبل إحسانك، وقيل: إذا أراد الله سبحانه أن يسلط على عبد عدوا له لا يرحمه سلط عليه حاسده، وقال ابن المعتز:


قل للحسود إذا تنفس صعدة يا ظالما وكأنه مظلوم

وقال غيره:


وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود






الخدمات العلمية