الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآثار قال علي رضي الله عنه : من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ، ولا عن النار مهربا ، أولها من .

عرف الله وأطاعه ، وعرف الشيطان فعصاه ، وعرف الحق فاتبعه ، وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها .

وقال الحسن رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة ، فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ، ثم راحوا خفافا وقال أيضا رحمه الله : من نافسك في دينك ، فنافسه ومن نافسك في دنياك ، فألقها في نحره وقال لقمان عليه السلام لابنه يا بني إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيه ناس كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل ، وحشوها الإيمان بالله تعالى ، وشراعها التوكل على الله عز وجل لعلك تنجو ، وما أراك ناجيا وقال الفضيل طالت فكرتي في هذه الآية إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا وقال بعض الحكماء : إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وسيكون ، له أهل بعدك ، وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة ، وغداء يوم ، فلا تهلك في أكله ، وصم عن الدنيا ، وأفطر على الآخرة ، وإن رأس مال الدنيا الهوى ، وربحها النار وقيل لبعض الرهبان : كيف ترى الدهر ? قال : يخلق الأبدان ويجدد الآمال ، ويقرب المنية ويبعد الأمنية قيل : فما حال أهله ? قال : من ظفر به تعب ، ومن فاته نصب وفي ذلك قيل .


ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها     إذا أدبرت كانت على المرء حسرة
وإن أقبلت كانت كثيرا همومها

وقال بعض الحكماء : كانت الدنيا ، ولم أكن فيها ، وتذهب الدنيا ، ولا أكون فيها ، فلا أسكن إليها ، فإن عيشها نكد وصفوها كدر ، وأهلها منها على وجل إما بنعمة زائلة أو بلية نازلة أو منية قاضية وقال بعضهم : من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق ، لكنها إما أن تزيد وإما أن تنقص وقال سفيان أما ترى النعم كأنها مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها وقال أبو سليمان الداراني من طلب الدنيا على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر ومن طلب الآخرة على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر وليس ، لهذا غاية وقال رجل لأبي حازم أشكو إليك حب الدنيا ، وليست لي بدار ، فقال : انظر ما آتاكه الله عز وجل منها فلا تأخذه إلا من حله ولا تضعه إلا في حقه ، ولا يضرك حب الدنيا .

وإنما قال هذا ; لأنه لو آخذ نفسه بذلك لأتعبه حتى يتبرم بالدنيا ، ويطلب الخروج منها وقال يحيى بن معاذ الدنيا حانوت الشيطان فلا تسرق من حانوته شيئا فيجيء في طلبه فيأخذك وقال الفضيل لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ، والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى ، فكيف وقد اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى وقال أبو حازم إياكم والدنيا ، فإنه بلغني أنه يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظما الدنيا ، فيقال : هذا عظم ما حقره الله وقال ابن مسعود ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف ، وماله عارية فالضيف ، مرتحل ، والعارية مردودة وفي ذلك قيل :


وما المال والأهلون إلا ودائع     ولا بد يوما أن ترد الودائع وزار

رابعة أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها ، فقالت : اسكتوا عن ذكرها ، فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها ; ألا من أحب شيئا أكثر من ذكره وقيل لإبراهيم بن أدهم : كيف أنت ? فقال .


نرقع دنيانا بتمزيق ديننا     فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه     وجاد بدنياه لما يتوقع

وقيل أيضا في ذلك .


أرى طالب الدنيا وإن طال عمره     ونال من الدنيا سرورا وأنعما
كبان بنى بنيانه فأقامه     فلما استوى ما قد بناه تهدما

وقيل أيضا في ذلك .


هب الدنيا تساق إليك عفوا     أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثل فيء     أظلك ثم آذن بالزوال

وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما ، جميعا وقال مطرف بن الشخير لا تنظر إلى خفض عيش الملوك ، ولين رياشهم ، ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم ، وسوء منقلبهم وقال ابن عباس : إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء ; جزء للمؤمن ، وجزء للمنافق ، وجزء للكافر ، فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وقال بعضهم : الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا ، فليصبر على معاشرة الكلاب وفي ذلك قيل

يا خاطب الدنيا إلى نفسها     تنح عن خطبتها تسلم .
إن التي تخطب غدارة     قريبة العرس من المأتم



وقال أبو الدرداء من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها .

وفي ذلك قيل .


إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت     له عن عدو في ثياب صديق

وقيل أيضا .


يا راقد الليل مسرورا بأوله     إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت منعمة     كر الجديدين إقبالا وإدبارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك     قد كان في الدهر نفاعا وضرارا
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها     يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت من الدنيا معانقة     حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها     فينبغي لك أن لا تأمن النارا

وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده ، فقالوا : قد بعث نبي وأخرجت أمة ، قال : يحبون الدنيا ? قالوا : نعم ، قال : لئن كانوا يحبون الدنيا ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان وإنما ، أغدو عليهم وأروح بثلاث أخذ : المال من غير حقه ، وإنفاقه في غير حقه ، وإمساكه عن حقه ، والشر كله من هذا نبع .

التالي السابق


(الآثار الواردة)

في ذمها (قال علي - رضي الله عنه -: من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا، ولا عن النار مهربا، أولها من عرف الله فأطاعه، وعرف الشيطان فعصاه، وعرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فألقاه) ، أي: اجتنبه (وعرف الدنيا فرفضها) ، أي: تركها (وعرف الآخرة فطلبها) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقال الحسن البصري) - رحمه الله تعالى - (رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة، فأدوها إلى من ائتمنهم عليها، ثم راحوا خفافا) نقله صاحب القوت .

(وقال أيضا: من نافسك في دينك، فنافسه) ، أي: فإن المنافسة في أمور الدين [ ص: 91 ] مندوب إليها، (ومن نافسك في دنياك، فألقها في نحره) نقله صاحب القوت ( قال لقمان لابنه ) وهو يعظه (يا بني إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان بالله، وشراعها التوكل على الله لعلك تنجو، وما أراك ناجيا) نقله صاحب القوت، وقد روي نحو ذلك عن وهب بن منبه، وهو في الحلية، قال: يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تريد بها الدنيا والآخرة، والإيمان بالله سفينتك التي تحمل عليها، والتوكل على الله دقلها، والدنيا بحرك، والأيام موجك، والأعمال المفروضة تجارتك.. .

إلى آخر ما قال .

(وقال الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى -: (طالت فكرتي في هذه الآية إنا جعلنا ما على الأرض ) من الحيوان، والنبات، والمعادن ( زينة لها ) لأهلها ( لنبلوهم ) ، أي: لنختبرهم ( أيهم أحسن عملا ) في تعاطيه، وهو من زهد فيه، ولم يغتر به، وقنع منه بما يزجي أيامه، وصرفه على ما ينبغي، وفيه تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) تزهيد فيه، والجرز الذي قطع نباتها من الجرز، وهو القطع، والمعنى: إنا لنعيد ما عليها من الزينة ترابا مستويا بالأرض، ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه .

(وقال بعض الحكماء: إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، ويكون له أهل بعدك، وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة، وغداء يوم، فلا تهلك في أكله، وصم عن الدنيا، وأفطر على الآخرة، وإن رأس مال الدنيا الهوى، وربحها النار) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقيل لبعض الرهبان: كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان) ، أي: يبليها (ويجدد الآمال، ويقرب المنية) ، أي: الموت (ويبعد الأمنية، قال: فما حال أهله؟ قال: من ظفر به تعب، ومن فاته نضب) يقال: نضب الماء في الأرض إذا غار، (وقد قيل) في معنى ذلك:


( ومن يحمد الدنيا بعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها إذا أدبرت كانت على المرء حسرة
وإن أقبلت كانت كثيرا همومها



وقال بعض الحكماء: كانت الدنيا، ولم أكن فيها، وتذهب الدنيا، ولا أكون فيها، فلا أسكن إليها، فإن عيشها نكد) ، أي: عسر وتعب، (وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل) ، أي: خوف (إما بنعمة زائلة) ، أي: ستزول قريبا (أو بلية نازلة) ستنزل قريبا (أو منية قاضية) ، أي: متحتمة .

(وقال بعضهم: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق، لكنها إما أن تزيد) فوق استحقاقه (وإما أن تنقص) من استحقاقه .

روي ذلك من كلام علي - رضي الله عنه .

(وقال سفيان) الثوري - رحمه الله تعالى - (أما ترى النعم كأنها مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية .

(وقال أبو سليمان الداراني) - رحمه الله تعالى - (من طلب الدنيا على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر) مما طلب (ومن طلب الآخرة على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر) مما طلب (وليس لهذه غاية، ولا لهذا غاية) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية .

(وقال رجل لأبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني التابعي - رحمه الله تعالى -: (أشكو إليك حب الدنيا، وليست لي بدار، فقال: انظر ما آتاك الله - عز وجل - منها فلا تأخذه إلا من حله) ، أي: من حيث هو حلال (ولا تضعه إلا في حقه، ولا يضرك حب الدنيا) .

أخرجه ابن أبي الدنيا (وإنما قال هذا; لأنه لو أخذ نفسه بذلك لأتعبه حتى يتبرم) ، أي: يتضجر (بالدنيا، ويطلب الخروج منها) .

وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: قلت لأبي حازم يوما: إني لأجد شيئا يحزنني قال: وما هو يا ابن أخي؟ قلت: حب الدنيا، قال لي: اعلم يا ابن أخي أن هذا الشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حببه الله إلي; لأن الله تعالى قد حبب هذه الدنيا [ ص: 92 ] إلينا، ولكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا أن لا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا بشيء يكرهه الله تعالى، ولا نمنع شيئا من شيء أحبه الله تعالى، فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها .

(وقال يحيى بن معاذ) الرازي - رحمه الله تعالى - (الدنيا حانوت الشيطان) ، أي: دكانه الذي فيه متاعه (فلا تسرق من حانوته شيئا فيجيء في طلبه فيأخذك) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقال الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى - (لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار) لأنفسنا (خزفا يبقى على ذهب يفنى، فكيف وقد اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية .

(وقال أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج - رحمه الله تعالى - (إياكم والدنيا، فإنه بلغني أنه يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظما للدنيا، فيقال: هذا عظم ما حقره الله تعالى) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا وأبو نعيم في الحلية .

(وقال ابن مسعود) - رضي الله عنه - (ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف، وماله عارية، والضيف مرتحل، والعارية مردودة) .

أخرجه الطبراني، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية من رواية الضحاك بن مزاحم، قال: قال عبد الله: ما منكم إلا ضيف، وماله عارية، فالضيف مرتحل، والعارية مؤداة لأهلها، (وقد قيل) في معنى ذلك:


(وما المال والأهلون إلا وديعة ولا بد يوما أن ترد الودائع)

(و) يحكى أنه (زار رابعة) بنت إسماعيل العدوية البصرية (أصحابها) ممن كان يتردد عليها، (فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها، فقالت: اسكتوا عن ذكرها، فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها; ألا من أحب شيئا أكثر من ذكره) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا، وقولها: من أحب شيئا أكثر من ذكره، حديث مرفوع، أخرجه أبو نعيم، ثم الديلمي من طريق مقاتل بن حبان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة به .

(وقيل لإبراهيم بن أدهم: كيف أنت؟ فقال) منشدا:


(نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع)


(فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع)

أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق يعلى بن عبيد ، قال: دخل إبراهيم بن أدهم على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال: كيف شأنكم يا أبا إسحاق؟ قال: يا أمير المؤمنين:


نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

ومن طريق أبي عمير، عن حمزة، قال: دخل إبراهيم بن أدهم على بعض الولاة، فقال له: مم معيشتك؟ قال: نرقع دنيانا.. .

إلخ، فقال: أخرجوه، فقد استقبل (وقيل أيضا) في المعنى:


(أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ونال من الدنيا سرورا وأنعما)


(كبان بنى بنيانه فأقامه فلما استوى ما قد بناه تهدما)

وفي نسخة: فأتمه بدل فأقامه (وقيل أيضا) في المعنى:


(هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال)


(وما دنياك إلا مثل فيء أظلك ثم أذن بالزوال)

وفي نسخة: للزوال .

(وقال لقمان لابنه) ، وهو يعظه: (يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك، فتخسرهما جميعا) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقال مطرف بن) عبد الله بن (الشخير) بن عوف العامري التابعي العابد، ولأبيه صحبة، وقد ذكر: (لا تنظر إلى خفض عيش الملوك، ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (وقال ابن [ ص: 93 ] عباس - رضي الله عنه -: إن الله جعل الدنيا ثلاثة أجزاء; جزء للمؤمن، وجزء للمنافق، وجزء للكافر، فالمؤمن يتزود) منها لآخرته (والمنافق يتزين) بمتاعها (والكافر يتمتع) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقال بعضهم: الدنيا جيفة) ، أي: بمنزلة جيفة في هوانها ونتنها (فمن أراد منها شيئا، فليصبر على معاشرة الكلاب) .

رواه صاحب القوت من قول علي - رضي الله عنه -، وقال علي: مزاحمة الكلاب بدل معاشرة، وفي هذا المعنى قال الشافعي - رحمه الله تعالى -:


وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها

ومن هنا يؤخذ القول المشهور على الألسنة: الدنيا جيفة، وطلابها كلاب، وفي القوت: ولقد أشهد ذلك بعض المكاشفين، فقال: رأيت الدنيا في صورة جيفة، ورأيت إبليس في صورة كلب، وهو هائم عليها، ومناديا ينادي من فوق: أنت كلب من كلابي، وهذه جيفة من خلقي، ولقد جعلتها نصيبك، فمن نازعك شيئا منها، فقد سلطتك عليه (وقد قيل في هذا المعنى) :


(يا خاطب الدنيا إلى نفسها تنح عن خطبتها تسلم)


(إن التي تخطب غدارة قريبة العرس إلى المأتم)

وقال أبو محمد الحريري:


يا خاطب الدنيا الدنية إنها شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت أبكت غدارة تبا لها من دار

في أبيات أخر ذكرها في مقاماته .

(وقال أبو الدرداء) - رضي الله عنه -: (من هوان الدنيا على الله أن لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا، وذكره صاحب نهج البلاغة من كلام علي - رضي الله عنه - (وقيل) في معنى ذلك، وهو أحسن ما سمع في تشبيه الدنيا:


(إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق)

(وقيل أيضا) في معناه:


(يا راقد الليل مسرورا بأوله إن الحوادث قد يطرقن إسحارا)


(أفنى القرون التي كانت منعمة كر الليالي إقبالا وإدبارا)


(يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسي ويصبح في دنياه سفارا)

أي: كثير السفر لأجل تحصيلها

(هلا تركت من الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس أبكارا)


(إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن النارا)

وقيل في هذا المعنى:


يا راقد الليل انتبه إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ثقة محللة العرى

(وقال أبو أمامة) صدي بن عجلان (الباهلي) - رضي الله عنه - (لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده، فقالوا: قد بعث نبي وأخرجت أمته، قال: يحبون الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: لئن كانوا يحبونها ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، وأنا أغدو عليهم وأروح بثلاث أخر: المال من غير حقه، وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه، والشر كله لهذا تبع) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .




الخدمات العلمية