فهذا مثال وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض ، وهي الذهب والفضة وهشيم النبت ، وهي زينة الدنيا وشيء من ذلك لا يصحبه عند الموت ، بل يصير كلا ووبالا عليه ، وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه ، وهذه حال الخلق كلهم إلا من عصمه الله عز وجل . أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ، ونسيانهم موردهم ، ومصدرهم ، وغفلتهم عن عاقبة أمورهم ،
مثال آخر لاغترار الخلق بالدنيا ، وضعف إيمانهم قال الحسن رحمه الله بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : إنما مثلي ومثلكم ، ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر ، أو ما بقي أنفدوا الزاد وخسروا الظهر وبقوا بين ظهراني المفازة ولا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة تقطر رأسه فقالوا : هذا قريب عهد بريف وما جاءكم هذا إلا من قريب ، فلما انتهى إليهم ، قال : يا هؤلاء : فقالوا يا هذا فقال علام أنتم فقالوا : على ما ترى فقال : أرأيتم إن هديتكم إلى ماء رواء ورياض خضر ، ما تعملون ? قالوا : لا نعصيك شيئا ، قال : عهودكم ومواثيقكم بالله ، فأعطوه عهودهم ، ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئا قال : فأوردهم ماء رواء ، ورياضا خضرا فمكث فيهم ما شاء الله ثم قال : يا هؤلاء قالوا : يا هذا قال : الرحيل قالوا : إلى أين ، قال : إلى ماء ليس كمائكم وإلى رياض ، ليست كرياضكم فقال أكثرهم : والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أنا لن نجده ، وما نصنع بعيش خير من هذا : وقالت طائفة وهم أقلهم : ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ، ومواثيقكم بالله أن لا تعصوه شيئا ، وقد صدقكم في أول حديثه ? فوالله ليصدقنكم في آخره ، فراح فيمن اتبعه وتخلف بقيتهم فبدرهم ، عدو فأصبحوا بين أسير وقتيل .