الثاني : أما الهيئة فبتشعيث شعر الرأس ، وحلق الشارب وإطراق الرأس في المشي والهدوء ، في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ الثياب ، ولبس الصوف وتشميرها إلى قريب من الساق ، وتقصير الأكمام ، وترك تنظيف الثوب ، وتركه مخرقا كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه متبع للسنة فيه ، ومقتد فيه بعباد الله الصالحين ومن ذلك لبس المرقعة والصلاة على السجادة ولبس الثياب الزرق تشبها بالصوفية ، مع الإفلاس من حقائق التصوف في الباطن . الرياء بالهيئة والزي ،
ومنه التقنع بالإزار فوق العمامة ، وإسبال الرداء على العينين ليري به ؛ أنه قد انتهى تقشفه إلى الحذر من غبار الطريق ، ولتنصرف إليه الأعين بسبب تميزه بتلك العلامة .
ومنه الدراعة والطيلسان يلبسه من هو خال عن العلم ليوهم أنه من أهل العلم .
والمراءون . بالزي على طبقات ، فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار الزهد ، فيلبس الثياب المخرقة الوسخة القصيرة الغليظة ليرائي بغلظها ووسخها وقصرها وتخرقها أنه غير مكترث بالدنيا ولو كلف أن يلبس ثوبا وسطا نظيفا مما كان السلف يلبسه لكان عنده بمنزلة الذبح ؛ وذلك لخوفه أن يقول الناس : قد بدا له من الزهد ، ورجع عن تلك الطريقة ، ورغب في الدنيا .
وطبقة أخرى يطلبون القبول عند أهل الصلاح ، وعند أهل الدنيا من الملوك والوزراء والتجار ، ولو لبسوا الثياب الفاخرة ردهم القراء ، ولو لبسوا الثياب المخرقة البذلة ازدرتهم أعين الملوك والأغنياء ، فهم يريدون الجمع بين قبول أهل الدين والدنيا ؛ فلذلك يطلبون الأصواف الدقيقة والأكسية الرقيقة والمرقعات المصبوغة والفوط الرفيعة فيلبسونها ، ولعل قيمة ثوب أحدهم قيمة ثوب أحد الأغنياء ، ولونه وهيئته لون ثياب الصلحاء ، فيلتمسون القبول عند الفريقين ، وهؤلاء إن كلفوا لبس ثوب خشن أو وسخ لكان عندهم كالذبح خوفا من السقوط من أعين الملوك والأغنياء ، ولو كلفوا لبس الدبيقي والكتان الدقيق الأبيض والمقصب ، المعلم ، وإن كانت قيمته دون قيمة ثيابهم لعظم ذلك عليهم ؛ خوفا من أن يقول أهل الصلاح : قد رغبوا في زي أهل الدنيا .
وكل طبقة منهم رأى منزلته في زي مخصوص ، فيثقل عليه الانتقال إلى ما دونه ، أو إلى ما فوقه ، وإن كان مباحا خيفة ؛ من المذمة .
وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة ، وأنواع التوسع والتجمل في الملبس والمسكن وأثاث البيت وفره الخيول وبالثياب المصبغة والطيالسة النفيسة ، وذلك ظاهر بين الناس ؛ فإنهم يلبسون في بيوتهم الثياب الخشنة ويشتد عليهم لو برزوا للناس على تلك الهيئة ما لم يبالغوا في الزينة .