بيان الطريق في
nindex.php?page=treesubj&link=18689معالجة الكبر واكتساب التواضع له .
اعلم أن الكبر من المهلكات ، ولا يخلو أحد من الخلق عن شيء منه وإزالته فرض عين ولا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة واستعمال الأدوية القامعة له .
وفي معالجته مقامان :
أحدهما : استئصال أصله من سنخه وقلع شجرته من مغرسها في القلب .
الثاني : دفع العارض منه بالأسباب الخاصة التي بها يتكبر الإنسان على غيره .
المقام الأول : في استئصال أصله ، وعلاجه علمي وعملي ، ولا يتم الشفاء إلا بمجموعهما .
أما العلمي فهو أن يعرف نفسه ويعرف ربه تعالى ، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر ؛ فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل ، وأقل من كل قليل وأنه ، لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله أما معرفته ربه وعظمته ومجده فالقول فيه يطول ، وهو منتهى علم المكاشفة ، وأما معرفته نفسه فهو أيضا يطول ولكنا ، نذكر من ذلك ما ينفع في إثارة التواضع والمذلة ، ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة في كتاب الله ؛ فإن في القرآن علم الأولين والآخرين لمن فتحت بصيرته وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=17قتل الإنسان ما أكفره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=18من أي شيء خلقه nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=19من نطفة خلقه فقدره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=20ثم السبيل يسره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=21ثم أماته فأقبره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=22ثم إذا شاء أنشره فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان ، وإلى آخر أمره ، وإلى وسطه ، فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية . أما أول الإنسان : فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا وقد كان في حيز العدم دهورا بل لم يكن لعدمه أول ، وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم ؟! وقد كان كذلك في القدم ، ثم خلقه الله من أرذل الأشياء ثم من أقذرها ؛ إذ قد خلقه من تراب ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم جعله عظما ، ثم كسا العظم لحما فقد كان هذا بداية وجوده ؛ حيث كان شيئا مذكورا فما صار شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت ؛ إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا ، بل خلقه جمادا ميتا ، لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يحس ، ولا يتحرك ، ولا ينطق ، ولا يبطش ، ولا يدرك ، ولا يعلم ، فبدأ بموته قبل حياته وبضعفه قبل قوته ، وبجهله قبل علمه ، وبعماه قبل بصره وبصممه ، قبل سمعه ، وببكمه قبل نطقه ، وبضلالته قبل هداه ، وبفقره قبل غناه ، وبعجزه قبل قدرته .
فهذا ، معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=18من أي شيء خلقه nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=19من نطفة خلقه فقدره ومعنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه كذلك خلقه أولا ، ثم امتن عليه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=20ثم السبيل يسره وهذا إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى الموت ، وكذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ومعناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أولا ، ونطفة ثانيا ، وأسمعه بعد ما كان أصم ، وبصره بعد ما كان فاقدا للبصر ، وقواه بعد الضعف ، وعلمه بعد الجهل ، وخلق له الأعضاء بما فيها من العجائب والآيات بعد الفقد لها ، وأغناه بعد الفقر ، وأشبعه بعد الجوع ، وكساه بعد العري ، وهداه بعد الضلال .
فانظر كيف دبره وصوره ، وإلى السبيل كيف يسره وإلى طغيان الإنسان ما أكفره ! وإلى جهل الإنسان كيف أظهره ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=20ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون فانظر إلى نعمة الله ، كيف نقله من تلك الذلة والقلة والخسة والقذارة إلى هذه الرفعة والكرامة فصار موجودا بعد العدم ، وحيا بعد الموت ، وناطقا بعد البكم ، وبصيرا بعد العمى ، وقويا بعد الضعف ، وعالما بعد الجهل ، ومهديا بعد الضلال ، وقادرا بعد العجز ، وغنيا بعد الفقر فكان ، في ذاته لا شيء وأي شيء أخس من لا شيء ؟! وأي قلة أقل من العدم المحض ؟! ثم صار بالله شيئا .
وإنما خلقه من التراب الذليل الذي يوطأ بالأقدام ، والنطفة القذرة ، بعد العدم المحض أيضا ؛ ليعرفه خسة ذاته فيعرف به نفسه ، وإنما أكمل النعمة عليه ؛ ليعرف بها ربه ، ويعلم بها عظمته وجلاله ، وأنه لا يليق الكبرياء إلا به جل وعلا .
ولذلك امتن عليه فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=8ألم نجعل له عينين nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=9ولسانا وشفتين nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين وعرف خسته أولا فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37ألم يك نطفة من مني يمنى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثم كان علقة ثم ذكر منته عليه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38فخلق فسوى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل وجوده أولا بالاختراع .
فمن كان هذا بدؤه وهذه أحواله فمن أين له البطر والكبرياء والفخر والخيلاء وهو على التحقيق أخس الأخساء ، وأضعف الضعفاء ولكن هذه عادة الخسيس ، إذا رفع من خسته شمخ بأنفه ، وتعظم ؛ وذلك لدلالة خسة أوله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نعم ، لو أكمله ، وفوض إليه أمره ، وأدام له الوجود باختياره لجاز أن يطغى وينسى المبدأ والمنتهى ، ولكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة والأسقام العظيمة ، والآفات المختلفة والطباع ، المتضادة من المرة والبلغم والريح والدم ، يهدم البعض من أجزائه البعض ، شاء أم أبى رضي أم سخط ، فيجوع كرها ، ويعطش كرها ، ويمرض كرها ، ويموت كرها لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا خيرا ولا شرا .
[ ص: 389 ]
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18689مُعَالَجَةِ الْكِبْرِ وَاكْتِسَابِ التَّوَاضُعِ لَهُ .
اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ ، وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي بَلِ بِالْمُعَالَجَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ الْقَامِعَةِ لَهُ .
وَفِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ :
أَحَدُهُمَا : اسْتِئْصَالُ أَصْلِهِ مِنْ سِنْخِهِ وَقَلْعِ شَجَرَتِهِ مِنْ مَغْرِسِهَا فِي الْقَلْبِ .
الثَّانِي : دَفْعُ الْعَارِضِ مِنْهُ بِالْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ الَّتِي بِهَا يَتَكَبَّرُ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ .
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ ، وَعِلَاجُهُ عِلْمِيٌّ وَعَمَلِيٌّ ، وَلَا يَتِمُّ الشِّفَاءُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا .
أَمَّا الْعِلْمِيُّ فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ وَيَعْرِفَ رَبَّهُ تَعَالَى ، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ الْكِبْرِ ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَلُّ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ ، وَأَقَلُّ مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَأَنَّهُ ، لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا التَّوَاضُعُ وَالذِّلَّةُ وَالْمَهَانَةُ وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِاللَّهِ أَمَّا مَعْرِفَتُهُ رَبِّهِ وَعَظَمَتِهِ وَمَجْدِهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ ، وَهُوَ مُنْتَهَى عِلْمِ الْمُكَاشَفَةِ ، وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ أَيْضًا يَطُولُ وَلَكُنَّا ، نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْفَعُ فِي إِثَارَةِ التَّوَاضُعِ وَالْمَذَلَّةِ ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمَنْ فُتِحَتْ بَصِيرَتُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=17قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=18مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=19مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=20ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=21ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=22ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ فَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَوَّلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ، وَإِلَى آخِرِ أَمْرِهِ ، وَإِلَى وَسَطِهِ ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ لِيَفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ . أَمَّا أَوَّلُ الْإِنْسَانِ : فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا وَقَدْ كَانَ فِي حَيِّز الْعَدَمِ دُهُورًا بَلْ لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِهِ أَوَّلُ ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ وَأَقَلُّ مِنَ الْمَحْوِ وَالْعَدَمِ ؟! وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْقِدَمِ ، ثُمَّ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَرْذَلِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ مِنْ أَقْذَرِهَا ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ عَظْمًا ، ثُمَّ كَسَا الْعَظْمَ لَحْمًا فَقَدْ كَانَ هَذَا بِدَايَةَ وُجُودِهِ ؛ حَيْثُ كَانَ شَيْئًا مَذْكُورًا فَمَا صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَخَسِّ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ ؛ إِذْ لَمْ يُخْلَقْ فِي ابْتِدَائِهِ كَامِلًا ، بَلْ خَلَقَهُ جَمَادًا مَيِّتًا ، لَا يَسْمَعُ ، وَلَا يُبْصِرُ ، وَلَا يَحُسُّ ، وَلَا يَتَحَرَّكُ ، وَلَا يَنْطِقُ ، وَلَا يَبْطِشُ ، وَلَا يُدْرِكُ ، وَلَا يَعْلَمُ ، فَبَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ حَيَاتِهِ وَبِضَعْفِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ ، وَبِجَهْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ ، وَبِعَمَاهُ قَبْلَ بَصَرِهِ وَبِصَمَمِهِ ، قَبْلَ سَمْعِهِ ، وَبِبَكَمِهِ قَبْلَ نُطْقِهِ ، وَبِضَلَالَتِهِ قَبْلَ هُدَاهُ ، وَبِفَقْرِهِ قَبْلَ غِنَاهُ ، وَبِعَجْزِهِ قَبْلَ قُدْرَتِهِ .
فَهَذَا ، مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=18مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=19مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ كَذَلِكَ خَلَقَهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=20ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ إِلَى الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْيَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا مَيِّتًا تُرَابًا أَوَّلًا ، وَنُطْفَةً ثَانِيًا ، وَأَسْمَعَهُ بَعْدَ مَا كَانَ أَصَمَّ ، وَبَصَّرَهُ بَعْدَ مَا كَانَ فَاقِدًا لِلْبَصَرِ ، وَقَوَّاهُ بَعْدَ الضَّعْفِ ، وَعَلَّمَهُ بَعْدَ الْجَهْلِ ، وَخَلَقَ لَهُ الْأَعْضَاءَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ بَعْدَ الْفَقْدِ لَهَا ، وَأَغْنَاهُ بَعْدَ الْفَقْرِ ، وَأَشْبَعَهُ بَعْدَ الْجُوعِ ، وَكَسَاهُ بَعْدَ الْعُرْيِ ، وَهَدَاهُ بَعْدَ الضَّلَالِ .
فَانْظُرْ كَيْفَ دَبَّرَهُ وَصَوَّرَهُ ، وَإِلَى السَّبِيلِ كَيْفَ يَسَّرَهُ وَإِلَى طُغْيَانِ الْإِنْسَانِ مَا أَكْفَرَهُ ! وَإِلَى جَهْلِ الْإِنْسَانِ كَيْفَ أَظْهَرَهُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=20وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ فَانْظُرْ إِلَى نِعْمَةِ اللَّهِ ، كَيْفَ نَقَلَهُ مِنْ تِلْكَ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالْخِسَّةِ وَالْقَذَارَةِ إِلَى هَذِهِ الرِّفْعَةِ وَالْكَرَامَةِ فَصَارَ مَوْجُودًا بَعْدَ الْعَدَمِ ، وَحَيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَنَاطِقًا بَعْدَ الْبَكَمِ ، وَبَصِيرًا بَعْدَ الْعَمَى ، وَقَوِيًّا بَعْدَ الضَّعْفِ ، وَعَالِمًا بَعْدَ الْجَهْلِ ، وَمَهْدِيًّا بَعْدَ الضَّلَالِ ، وَقَادِرًا بَعْدَ الْعَجْزِ ، وَغَنِيًّا بَعْدَ الْفَقْرِ فَكَانَ ، فِي ذَاتِهِ لَا شَيْءَ وَأَيُّ شَيْءٍ أَخَسُّ مِنْ لَا شَيْءَ ؟! وَأَيُّ قِلَّةٍ أَقَلُّ مِنَ الْعَدَمِ الْمَحْضِ ؟! ثُمَّ صَارَ بِاللَّهِ شَيْئًا .
وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنَ التُّرَابِ الذَّلِيلِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ ، وَالنُّطْفَةِ الْقَذِرَةِ ، بَعْدَ الْعَدَمِ الْمَحْضِ أَيْضًا ؛ لِيُعَرِّفَهُ خِسَّةَ ذَاتِهِ فَيَعْرِفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَإِنَّمَا أَكْمَلَ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ ؛ لِيَعْرِفَ بِهَا رَبَّهُ ، وَيَعْلَمَ بِهَا عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ الْكِبْرِيَاءُ إِلَّا بِهِ جَلَّ وَعَلَا .
وَلِذَلِكَ امْتَنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=8أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=9وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وَعَرَّفَ خِسَّتَهُ أَوَّلًا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ثُمَّ ذَكَرَ مِنَّتَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38فَخَلَقَ فَسَوَّى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى لِيَدُومَ وُجُودُهُ بِالتَّنَاسُلِ كَمَا حَصَلَ وُجُودَهُ أَوَّلًا بِالِاخْتِرَاعِ .
فَمَنْ كَانَ هَذَا بَدْؤُهُ وَهَذِهِ أَحْوَالُهُ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْبَطَرُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ أَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ ، وَأَضْعَفُ الضُّعَفَاءِ وَلَكِنَّ هَذِهِ عَادَةُ الْخَسِيسِ ، إِذَا رُفِعَ مِنْ خِسَّتِهِ شَمَخَ بِأَنْفِهِ ، وَتَعَظَّمَ ؛ وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ خِسَّةِ أَوَّلِهِ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .
نَعَمْ ، لَوْ أَكْمَلَهُ ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَأَدَامَ لَهُ الْوُجُودَ بِاخْتِيَارِهِ لَجَازَ أَنْ يَطْغَى وَيَنْسَى الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى ، وَلَكِنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِ فِي دَوَامِ وَجُودِهِ الْأَمْرَاضَ الْهَائِلَةَ وَالْأَسْقَامَ الْعَظِيمَةَ ، وَالْآفَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ وَالطِّبَاعَ ، الْمُتَضَادَّةَ مِنَ الْمُرَّةِ وَالْبَلْغَمِ وَالرِّيحِ وَالدَّمِ ، يَهْدِمُ الْبَعْضُ مِنْ أَجْزَائِهِ الْبَعْضَ ، شَاءَ أَمْ أَبَى رَضِيَ أَمْ سَخِطَ ، فَيَجُوعُ كُرْهًا ، وَيَعْطَشُ كُرْهًا ، وَيَمْرَضُ كُرْهًا ، وَيَمُوتُ كُرْهًا لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ، وَلَا خَيْرًا وَلَا شَرًّا .
[ ص: 389 ]