وكذلك وكثرتهم . لما اتكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين على قوتهم
ونسوا فضل الله تعالى عليهم ، وقالوا : « لا نغلب اليوم من قلة » وكلوا إلى أنفسهم، فقال تعالى: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين وروى أن ابن عيينة أيوب عليه السلام قال: إلهي إنك ابتليتني بهذا البلاء، وما ورد علي أمر إلا آثرت هواك على هواي، فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت: يا أيوب أنى لك ذلك؟! فأخذ رمادا ووضعه على رأسه، وقال: منك يا رب منك يا رب، فرجع من نسيانه إلى إضافة ذلك إلى الله تعالى؛ ولهذا قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم خير الناس : «ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» ولقد كان أصحابه من بعده يتمنون أن يكونوا ترابا وتبنا وطيرا مع صفاء أعمالهم وقلوبهم ، فكيف يكون لذي بصيرة أن يعجب بعمله ، أو يدل به ، ولا يخاف على نفسه فإذن : هذا هو العلاج القامع لمادة العجب من القلب .
ومهما غلب ذلك على القلب شغله خوف سلب هذه النعمة عن الإعجاب بها بل هو ينظر إلى الكفار والفساق وقد سلبوا نعمة الإيمان والطاعة بغير ذنب أذنبوه من قبل فيخاف من ذلك ، فيقول : إن من لا يبالي أن يحرم من غير جناية ويعطى من غير وسيلة لا يبالي أن يعود ، ويسترجع ما وهب ، فكم من مؤمن قد ارتد ، ومطيع قد فسق وختم له بسوء ! وهذا لا يبقى معه عجب بحال والله تعالى أعلم .