وفرقة أخرى في اليوم والليل مرة ، ولسان أحدهم يجري به ، وقلبه يتردد في أودية الأماني إذ لا يتفكر في معاني القرآن لينزجر بزواجره ، ويتعظ بمواعظه ، ويقف عند أوامره ونواهيه ، ويعتبر بمواضع الاعتبار فيه إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب تلاوة القرآن من مقاصد التلاوة ، فهو مغرور ، يظن أن المقصود من إنزال القرآن الهمهمة به مع الغفلة عنه . اغتروا بقراءة القرآن فيهذونه هذا وربما يختمونه
ومثاله مثال عبد كتب إليه مولاه ومالكه كتابا ، وأشار عليه فيه بالأوامر والنواهي ، فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به ، ولكن اقتصر على حفظه فهو مستمر على خلاف ما أمره به مولاه ، إلا أنه يكرر الكتاب بصوته ونغمته كل يوم مائة مرة ، فهو مستحق للعقوبة ، ومهما ظن أن ذلك هو المراد منه فهو مغرور .
نعم تلاوته إنما تراد لكيلا ينسى بعد ، لحفظه ، وحفظه يراد لمعناه ، ومعناه يراد للعمل به والانتفاع بمعانيه وقد يكون له صوت طيب فهو يقرؤه ويلتذ به ويغتر باستلذاذه ، ويظن أن ذلك لذة مناجاة الله تعالى وسماع كلامه ، وإنما هي لذته في صوته .
ولو ردد ألحانه بشعر أو كلام آخر لالتذ به ذلك الالتذاذ فهو مغرور إذ لم يتفقد قلبه فيعرفه أن لذته بكلام الله تعالى من حيث حسن نظمه ومعانيه ، أو بصوته .