الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال ، وأنفقت على المساجد وهي أيضا مغرورة من وجهين :

أحدهما الرياء وطلب الثناء ، فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء وصرف المال إليهم أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها وإنما يخف عليهم الصرف إلى المساجد ليظهر ذلك بين الناس .

والثاني أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها وشاغلة قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم .

والمقصود من الصلاة الخشوع وحضور القلب وذلك يفسد قلوب المصلين ، ويحبط ثوابهم بذلك ، ووبال ذلك كله يرجع إليه ، وهو مع ذلك يغتر به ، ويرى أنه من الخيرات ويعد ذلك وسيلة إلى الله تعالى ، وهو مع ذلك قد تعرض لسخط الله تعالى ، وهو يظن أنه مطيع له ، وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله بما زخرفه من المسجد وربما ، شوقهم به إلى زخارف الدنيا فيشتهون مثل ذلك في بيوتهم ويشتغلون بطلبه ، ووبال ذلك كله في رقبته ; إذ المسجد للتواضع ولحضور القلب مع الله تعالى .

. قال مالك بن دينار أتى رجلان مسجدا فوقف أحدهما على الباب ، وقال : مثلي لا يدخل بيت الله فكتبه الملكان عند الله صديقا .

فهكذا ينبغي أن تعظم المساجد وهو أن يرى تلويث المسجد بدخوله فيه بنفسه جناية على المسجد ، لا أن يرى تلويث المسجد بالحرام أو بزخرف الدنيا منة على الله تعالى .

، وقال الحواريون للمسيح عليه السلام : انظر إلى هذا المسجد ما أحسنه ، فقال : أمتي أمتي بحق أقول لكم ، لا يترك الله من هذا المسجد حجرا قائما على حجر إلا أهلكه بذنوب أهله ، إن الله لا يعبأ بالذهب والفضة ، ولا بهذه الحجارة التي تعجبكم شيئا ، وإن أحب الأشياء إلى الله تعالى القلوب الصالحة بها يعمر الله الأرض وبها يخرب إذا كانت على غير ذلك .

وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم .

وقال الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال له : ابنه سبعة أذرع طولا في السماء ، لا تزخرفه ولا تنقشه .

فغرور هذا من حيث أنه رأى المنكر ، واتكل عليه .

التالي السابق


(وفرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال، وأنفقت على المساجد) أي: على بنائها (وهي أيضا مغرورة من وجهين: أحدهما الرياء وطلب الثناء، فإنه ربما يكون في جواره أو في بلده فقراء) محتاجون، (فصرف المال إليهم أهم وأفضل من الصرف إلى المساجد وتزيينها) ، وتنقيشها (وإنما يخف عليه الصرف إلى المساجد ليظهر بذلك بين الناس) ، ويشتهر اسمه، (والثاني أنه يصرف) تلك الأموال (إلى زخرفة) المسجد (وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها) رواه البخاري من قول عمر بن الخطاب: أكن الناس ولا تحمر ولا تصفر. (وشاغلة قلوب المصلين) عن الحضور (وتختطف أبصارهم) بالنظر إليها، (والمقصود من الصلاة) إذن هو (الخشوع وحضور القلب) وجمع الهمة، (وذلك يفسد قلوب المصلين، ويحبط ثوابهم بذلك، ووبال ذلك كله يرجع إليه، وهو مع ذلك يغتر به، ويرى أنه من الخيرات) ، ومن القربات، (ويعد ذلك وسيلة له إلى الله تعالى، وهو بذلك قد تعرض لسخط الله، وهو يظن أنه مطيع لله، وممتثل لأمره) في عمارة المسجد، (وقد شوش قلوب عباد الله بما زخرفه من المسجد، وبما شوقهم إلى زخارف الدنيا فيشتهون مثل ذلك في بيوتهم بطلبه، ووبال ذلك كله في رقبته; إذ المسجد) إنما اتخذ (للتواضع) والمسكنة والخشوع، (ولحضور القلب مع الله. قال) أبو يحيى (مالك بن دينار) البصري رحمه الله تعالى: (أتى رجلان مسجدا فوقف أحدهما على الباب، وقال: مثلي لا يدخل) ، وفي نسخة: يدخل (بيت الله) على سبيل الإنكار على نفسه، (فكتب على المكان عند الله صديقا) . أخرجه أبو نعيم في الحلية. (فبهذا ينبغي أن تعظم المساجد) لا بالزخرفة، (وهو أن يرى تلويث المسجد بدخوله فيه بنفسه جناية على المسجد، لا أن يرى تلويث المسجد بالحرام أو بزخرف الدنيا منة على الله، وقال الحواريون للمسيح عليه السلام: انظر إلى هذا المسجد ما أحسنه، فقال: أمتي أمتي بحق أقول لكم، لا يترك الله من هذا المسجد حجرا قائما على حجر إلا أهلكه بذنوب أهله، إن الله لا يعبأ بالذهب والفضة، ولا بهذه الحجارة التي تعجبكم شيئا، وإن أحب الأشياء إلى الله القلوب الصالحة بها يعمر الله الأرض وبها يخرب إذا كانت على غير ذلك .

وقال أبو الدرداء) رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا زخرفتم مساجدكم) أي: بالنقوش (وحليتم مصاحفكم) أي: بالذهب والفضة (فالدمار عليكم) أي: الهلاك. قال العراقي: رواه ابن المبارك في الزهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا، (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال له: ابنه سبعة أذرع طولا في السماء، لا تزخرفه ولا تنقشه) . قال العراقي: لم أجده هكذا، وفي [ ص: 487 ] قصر الأمل لابن أبي الدنيا: ابنوه كعريش موسى، وليس فيه مجيء جبريل اهـ .

قلت: وروى البيهقي من مرسل سالم بن عطية: عرش كعرش موسى، ورواه الدارقطني في الأفراد والديلمي وابن النجار من حديث أبي الدرداء: عريشا كعريش موسى ثمام وخشيبات، والأمر أعجل من ذلك .

قال الدارقطني: غريب .

(فغرور هذا من حيث إنه رأى المنكر معروفا، واتكل عليه) ، واطمأن به .




الخدمات العلمية