الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن قلت فمتى يصح له أن يشتغل بنصح الناس ؟ فأقول إذا لم يكن له قصد إلا هدايتهم لله تعالى ، وكان يود لو وجد من يعينه ، أو لو اهتدوا بأنفسهم وانقطع بالكلية طمعه عن ثنائهم وعن أموالهم ، فاستوى عنده حمدهم وذمهم ، فلم يبال بذمهم إذا كان الله يحمده ولم يفرح بحمدهم إذ لم يقترن به حمد الله تعالى ونظر ، إليهم كما ينظر إلى السادات وإلى البهائم .

أما إلى السادات فمن حيث إنه لا يتكبر عليهم ويرى كلهم خيرا منه لجهله بالخاتمة .

وأما إلى البهائم فمن حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم ; فإنه لا يبالي كيف تراه البهائم ، فلا يتزين لها ولا يتصنع بل راعي الماشية إنما غرضه رعاية الماشية ودفع الذئب عنها ، دون نظر الماشية إليه .

فما لم ير سائر الناس كالماشية التي لا يلتفت إلى نظرها ، ولا يبالي بها لا يسلم من الاشتغال بإصلاحهم .

نعم ربما يصلحهم ، ولكن يفسد نفسه بإصلاحهم ، فيكون كالسراج يضيء لغيره ، ويحترق في نفسه .

التالي السابق


(فإن قلت فمتى يصح له أن يشتغل بنصح الناس؟ فأقول إذا لم يكن له قصد إلا هدايتهم لله تعالى، وكان يود لو وجد من يعينه عليه، أو لو اهتدوا بأنفسهم) من غير مرشد، (وانقطع بالكلية طمعه عن ثنائهم وعن أموالهم، فاستوى عنده حمدهم وذمهم، فلم يبال بذمهم إذا كان الله يحمده) ويحبه، (ولم يفرح بحمدهم إذ يقترن به حمد الله تعالى، وينظر إليهم كما ينظر إلى السادات وإلى البهائم، أما إلى السادات فمن حيث إنه لا يتكبر عليهم) ، ولا يرى لنفسه فضلا عليهم، بل (يرى كلهم خيرا منه لجهله بالخاتمة، وأما إلى البهائم فمن حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم; فإنه لا يبالي كيف تراه البهائم، فلا يتزين لها ولا يتصنع) في لبسه وهيئته، (بل راعي الماشية إنما غرضه رعاية الماشية ودفع الذئب عنها، دون نظر الماشية إليه، فما لم ير سائر الناس كالماشية التي لا يلتفت إلى نظرها، ولا يبالى بها لا يسلم من الاشتغال بإصلاحهم، نعم ربما يصلحهم، ولكن يفسد نفسه بإصلاحهم، فيكون كالسراج الذي يضيء لغيره، ويحترق في نفسه) ، وقد روى الطبراني من حديث أبي برزة الأسلمي: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة تضيء للناس، وتحرق نفسها" وقد تقدم في كتاب العلم .




الخدمات العلمية