وقد أشرنا إلى حكمة ذلك في كتاب قواعد العقائد من ربع العبادات ، فلنرجع الآن إلى الغرض ، فالمقصود أن تعريف توزع الدرجات والدركات على الحسنات والسيئات لا ، يمكن إلا فلنفهم من المثل الذي نضربه معناه لا صورته فنقول : بضرب المثال ، في السعادة والشقاوة تفاوتا لا يدخل تحت الحصر ، كما تفاوتوا في سعادة الدنيا وشقاوتها ، ولا تفارق الآخرة الدنيا في هذا المعنى أصلا البتة فإن مدبر الملك والملكوت واحد لا شريك له ، وسنته الصادرة عن إرادته الأزلية مطردة لا تبديل لها إلا أنا إن عجزنا عن إحصاء آحاد الدرجات فلا نعجز عن إحصاء الأجناس . الناس في الآخرة ينقسمون أصنافا ، وتتفاوت درجاتهم ودركاتهم
فنقول الناس : ينقسمون في الآخرة بالضرورة إلى أربعة أقسام : هالكين ، ومعذبين ، وناجين ، وفائزين ومثاله في الدنيا أن يستولي ملك من الملوك على إقليم فيقتل بعضهم فهم الهالكون ، ويعذب بعضهم مدة ولا يقتلهم فهم المعذبون ويخلى ، بعضهم فهم الناجون ، ويخلع على بعضهم فهم الفائزون ، فإن كان الملك عادلا لم يقسمهم كذلك إلا باستحقاق ، فلا يقتل إلا جاحدا لاستحقاق الملك معاندا له في أصل الدولة ، ولا يعذب إلا من قصر في خدمته مع الاعتراف بملكه وعلو درجته ولا يخلي إلا معترفا له برتبة الملك ، لكنه لم يقصر ليعذب ولم يخدم ليخلع عليه ، ولا يخلع إلا على من أبلى عمره في الخدمة والنصرة ثم ينبغي أن تكون خلع الفائزين متفاوتة الدرجات بحسب درجاتهم في الخدمة وإهلاك الهالكين إما تحقيقا بجز الرقبة أو تنكيلا بالمثلة بحسب درجاتهم في المعاندة وتعذيب المعذبين في الخفة والشدة وطول المدة وقصرها واتحاد أنواعها واختلافها بحسب درجات تقصيرهم فتقسم كل رتبة من هذه الرتب إلى درجات لا تحصى ، ولا تنحصر فكذلك فافهم أن الناس في الآخرة هكذا يتفاوتون فمن هالك ومن معذب مدة ومن ناج يحل في دار السلامة ، ومن فائز والفائزون ينقسمون إلى من يحلون في جنات عدن ، أو جنات المأوى ، أو جنات الفردوس والمعذبون ينقسمون إلى من يعذب قليلا ، وإلى من يعذب ألف سنة إلى سبعة آلاف سنة ، وذلك كما ورد في الخبر . آخر من يخرج من النار