الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان حقيقة الصبر ومعناه .

اعلم أن الصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات الدين إنما تنتظم من ثلاثة أمور : معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله تعالى . واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل كما ذكرناه في اختلاف اسم الإيمان والإسلام في كتاب قواعد العقائد وكذلك ، الصبر لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة .

التالي السابق


(بيان حقيقة الصبر ومعناه)

(اعلم) هداك الله تعالى (أن الصبر مقام) شريف (من مقامات الدين) ، وهو ثاني مقام من مقامات اليقين، (ومنزل) منيف (من منازل السالكين) في طريق الحق لا يستغني عنه سالك ألبتة إلا رجل انسلخ من غفلته إلى حضرة ربه، فإن هذا المنزل لا يعرفه ولا يدور حوله إلى أن يرجع إلى بشريته وإنسانيته. (وجميع مقامات الدين إنما تنتظم من ثلاثة أمور: معارف وأحوال وأعمال) ، وذلك لأن المقامات كلها من الإيمان بالله ولله كما دل عليه قوله تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي .

وللإيمان بالله ولله عقود كثيرة لا نهاية لها على ما أشرنا إليه في أول كتاب التوبة، وكل عقد من هذه العقود أصل، ولذلك الأصل فرع، وللفرع ثمرة، (فالمعارف هي الأصول) الثابتة في القلوب بما أمرها الله بها من النظر والاعتبار، (وهي تورث الأحوال) أي: إن لتلك الأصول فروعا تنشأ عنها هي مواجيد القلوب وأحوال لها بسبب ما جبلها عليه من محبة سعادتها وكمالها، (والأحوال ثمرة الأعمال) أي: إن لذلك الأحوال ثمارا هي الأعمال الناشئة عن أحوال القلوب وبها النجاة والكمال، فالعلم هو الأصل الذي هو عقد من عقود الإيمان بالله أو لله، والحال ما ينشأ عنه من المواجيد، والعمل هو ما تنشئه المواجيد على القلوب والجوارح من الأعمال، (فالمعارف كالأشجار) ، فإنها ثابتة في القلوب ثبوت الأشجار في الأرض، (والأحوال كالأغصان) ، فإنها متفرعة عن تلك المعارف تفرع الأغصان عن الأشجار، (والأعمال كالثمار) فإنها تنشأ من تلك الأحوال نشأة الثمار من الأغصان، وقد بين ذلك قوله تعالى: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ، الآية، وتقدمت الإشارة إليه أول كتاب التوبة .

(وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله تعالى. واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف) فقط التي هي الأصول، (وتارة يطلق على الكل) أي: عليها مع ما ينشأ منها ويثمر منها، (كما ذكرناه في اختلاف اسم الإيمان والإسلام في كتاب قواعد العقائد، وكذا الصبر) من جملة عقود الإيمان بالله ولله (لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة) تنشأ عن تلك المعرفة هي كالفرع لها .




الخدمات العلمية