بيان مظان وأن العبد لا يستغني عنه في حال من الأحوال . الحاجة إلى الصبر
اعلم أن جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين أحدهما هو الذي يوافق هواه ، والآخر هو الذي لا يوافقه بل يكرهه ، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منهما ، وهو في جميع الأحوال لا يخلو عن أحد هذين النوعين أو عن كليهما ، فهو إذا لا يستغني قط عن الصبر .
النوع الأول ما يوافق الهوى وهو الصحة والسلامة والمال والجاه وكثرة العشيرة واتساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار وجميع ملاذ الدنيا وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور ، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذها المباحة منها أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان ، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى حتى قال بعض العارفين : البلاء يصبر عليه المؤمن ، والعوافي لا يصبر عليها إلا صديق وقال سهل : الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء ولما فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا : ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا ، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر ولذلك حذر الله عباده من فقال تعالى : فتنة المال والزوج والولد يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله وقال عز وجل : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم . وقال صلى الله عليه وسلم : الولد مبخلة مجبنة محزنة