وقال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله وولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا .
وقال صلى الله عليه وسلم : انتظار الفرج بالصبر عبادة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها إلا فعل الله به ذلك .
وقال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال : يا جبريل ما جزاء من سلبت كريمتيه ؟ قال : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ، قال الله تعالى جزاؤه الخلود في داري والنظر إلى وجهي أنس وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : إذا ابتليت عبدي ببلاء فصبر ولم يشكني إلى عواده أبدلته لحما خيرا من لحمه ، ودما خيرا من دمه ، فإذا أبرأته أبرأته ولا ذنب له ، وإن توفيته فإلى رحمتي .
وقال داود عليه السلام يا رب ، ما جزاء الحزين الذي يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك ؟ قال : جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبدا وقال رحمه الله في خطبته : ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه وعوضه منها الصبر إلا كان ما عوضه منها أفضل مما انتزع منه وقرأ: عمر بن عبد العزيز إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وسئل فضيل عن الصبر فقال : هو الرضا بقضاء الله ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : الراضي لا يتمنى فوق منزلته .
وقيل : حبس رحمه الله في المارستان فدخل عليه جماعة فقال من أنتم ؟ قالوا : أحباؤك جاءوك زائرين ، فأخذ يرميهم بالحجارة فأخذوا يهربون ، فقال : لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة ويطالعها وكان فيها : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ويقال أن : امرأة فتح الموصلي عثرت فانقطع ظفرها فضحكت ، فقيل لها أما تجدين الوجع ؟ فقالت : إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه . الشبلي
وقال داود لسليمان عليهما السلام يستدل على تقوى المؤمن بثلاث حسن التوكل فيما لم ينل وحسن ، الرضا فيما قد نال وحسن الصبر فيما قد فات . وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك ويروى عن بعض الصالحين أنه خرج يوما وفي كمه صرة فافتقدها فإذا هي قد أخذت من كمه فقال : بارك الله له فيها لعله أحوج إليها مني، وروي عن بعضهم أنه قال : مررت على في القتلى وبه رمق فقلت له : أسقيك ماء ؟ فقال : جرني قليلا إلى العدو واجعل الماء في الترس فإني صائم ، فإن عشت إلى الليل شربته فهكذا كان صبر سالكي طريق الآخرة على بلاء الله تعالى ، فإن قلت : فبماذا تنال سالم مولى أبي حذيفة وليس الأمر إلى اختياره فهو مضطر شاء أم أبى ، فإن كان المراد به أن لا تكون في نفسه كراهية المصيبة فذلك غير داخل في الاختيار ، فاعلم أنه إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع وشق الجيوب وضرب الخدود والمبالغة في الشكوى وإظهار الكآبة وتغير العادة في الملبس والمفرش والمطعم ، وهذه الأمور داخلة تحت اختياره فينبغي أن يجتنب جميعها وأن يظهر الرضا بقضاء الله تعالى ويبقى مستمرا على عادته ويعتقد أن ذلك كان وديعة فاسترجعت كما روي عن درجة الصبر في المصائب رضي الله عنها أنها قالت : توفي ابن لي وزوجي الرميصاء أم سليم غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت فقدم أبو طلحة فقمت فهيأت له إفطاره فجعل يأكل ، فقال : كيف الصبي ؟ فقلت بأحسن حال بحمد الله ، فإنه لم يكن منذ اشتكى خيرا منه الليلة ، ثم تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع قبل ذلك حتى أصاب مني حاجته فقلت : ألا تعجب من جيراننا ؟ قال : ما لهم ؟ قلت : أعيروا عارية فلما طلبت منهم واسترجعت جزعوا ، فقال : بئس ما صنعوا ، فقلت هذا ابنك كان عارية من الله تعالى ، وأن الله تعالى قبضه إليه ، فحمد الله واسترجع ، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : اللهم بارك لهما في ليلتهما ، قال الراوي : فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرءوا القرآن وروى جابر أنه عليه السلام قال : رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا أبو طلحة امرأة بالرميصاء أبي طلحة وقد قيل هو أن لا يعرف صاحب المصيبة من غيره ولا يخرجه عن حد الصابرين توجع القلب ولا فيضان العين بالدمع إذ يكون من جميع الحاضرين لأجل الموت سواء ولأن البكاء توجع القلب على الميت ، فإن ذلك مقتضى البشرية ، ولا يفارق الإنسان إلى الموت ، ولذلك لما مات الصبر الجميل إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه فقيل له أما نهيتنا عن هذا ؟ فقال : إن هذه رحمة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء بل ذلك أيضا لا يخرج عن مقام الرضا ، فالمقدم على الحجامة والفصد راض به وهو متألم بسببه لا محالة ، وقد تفيض عيناه إذا عظم ألمه ، وسيأتي ذلك في كتاب الرضا إن شاء الله تعالى وكتب ابن أبي نجيح يعزي بعض الخلفاء : إن أحق من عرف حق الله تعالى فيما أخذ منه من عظم حق الله تعالى عنده فيما أبقاه له ، واعلم أن الماضي قبلك هو الباقي لك ، والباقي بعدك هو المأجور فيك ، واعلم أن أجر الصابرين به فيما يصابون به أعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه .
فإذا مهما دفع الكراهة بالتفكر في نعمة الله تعالى عليه بالثواب نال درجة الصابرين ، نعم من كمال الصبر كتمان المرض والفقر وسائر المصائب ، وقد قيل : من كنوز البر كتمان المصائب والأوجاع والصدقة .