الأصل الثاني الحال المستمدة من أصل المعرفة ، وهو مع هيئة الخضوع والتواضع وهو أيضا في نفسه شكر على تجرده كما أن المعرفة شكر ولكن إنما يكون شكرا إذا كان حاويا شرطه وشرطه : أن يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ، ولا بالإنعام ، ولعل هذا يتعذر عليك فهمه فنضرب لك مثلا فنقول : الملك الذي يريد الخروج إلى سفره فأنعم بفرس على إنسان يتصور أن يفرح المنعم عليه بالفرس من ثلاثة أوجه ، أحدها أن يفرح بالفرس من حيث أنه فرس وإنه مال ينتفع به ، ومركوب يوافق غرضه ، وإنه جواد نفيس وهذا فرح من لا حظ له في الملك بل غرضه الفرس فقط ، ولو وجده في صحراء فأخذه لكان فرحه مثل ذلك الفرح . الوجه الثاني : أن يفرح به لا من حيث إنه فرس بل من حيث تستدل به على عناية الملك به ، وشفقته عليه ، واهتمامه بجانبه ، لو وجد هذا الفرس في صحراء أو أعطاه غير الملك لكان لا يفرح به أصلا لاستغنائه عن الفرس أصلا أو استحقاره له بالإضافة إلى مطلوبه من نيل المحل في قلب الملك . الوجه الثالث أن يفرح به ليركبه ليخرج في خدمة الملك ويتحمل مشقة ، السفر لينال بخدمته القرب منه وربما يرتقي ، إلى درجة الوزارة من حيث إنه ليس يقنع بأن يكون محله في قلب الملك أن يعطيه فرسا ويعتني به هذا القدر من العناية ، بل هو طالب لأن لا ينعم الملك بشيء من ماله على أحد إلا بواسطته ثم إنه ليس يريد من الوزارة الوزارة بل يريد مشاهدة الملك والقرب منه حتى لو خير بين القرب منه دون الوزارة وبين الوزارة دون القرب لاختار القرب . الفرح بالمنعم