الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الحكمة في سائر الكواكب السيارة منها والثوابت فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق ، والقدر الذي يحتمله فهم الخلق أنها زينة للسماء لتستلذ العين بالنظر إليها ، وأشار إليه قوله تعالى : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب فجميع أجزاء العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته وأعضاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته عن حكم كثيرة ، من حكمه واحدة إلى عشرة إلى ألف إلى عشرة آلاف وكذا أعضاء الحيوان تنقسم إلا ما يعرف حكمتها ، كالعلم بأن العين للإبصار لا للبطش ، واليد للبطش لا للمشي ، والرجل للمشي لا للشم ، فأما الأعضاء الباطنة من الأمعاء والمرارة والكبد والكلية وآحاد العروق والأعصاب والعضلات وما فيها من التجاويف والالتفاف والاشتباك والانحراف والدقة والغلظ وسائر الصفات فلا يعرف الحكمة فيها سائر الناس ، والذين يعرفونها لا يعرفون منها إلا قدرا يسيرا ، بالإضافة إلى ما في علم الله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فإذا ، كل من استعمل شيئا في جهة غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي أريد به فقد كفر فيه نعمة الله تعالى ، فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد إذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يهلكه ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره ، ومن نظر إلى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين ونعمة الشمس ، إذ الإبصار يتم بهما ، وإنما خلقتا ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه ، ويتقي بهما ما يضره فيهما ، فقد استعملها في غير ما أريد به ، وهذا لأن المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها أن يستعين الخلق بهما على الوصول إلى الله تعالى ، ولا وصول إليه إلا بمحبته والأنس به في الدنيا والتجافي : عن غرور الدنيا ، ولا أنس إلا بدوام الذكر ، ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر .

التالي السابق


(وأما الحكمة في سائر الكواكب السيارة منها) وهي السبعة التي تقطع الفلك، (والثوابت) التي لا تسير، (فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق، والقدر الذي يحتمله فهم الخلق أنها زينة السماء لتستلذ العين بالنظر إليها، وأشار إليها بقوله تعالى: إنا زينا السماء الدنيا) أي القربى منكم (بزينة الكواكب) أي زينة هي الكواكب، والإضافة للبيان، ويعضده قراءة من قرأ بتنوين زينة وجر الكواكب على إبدالها منه، وفي الآية وجوه أخر، (فجميع أجزاء العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته وأعضاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته عن حكم كثيرة، من حكمة واحدة إلى عشرة إلى ألف) ، وفي نسخة: من حكمة واحدة إلى عشرة آلاف .

(وكذلك أعضاء الحيوان) وفي نسخة: الحيوانات (تنقسم إلى ما يعرف حكمته، كالعلم بأن العين للإبصار لا للبطش، واليد للبطش لا للمشي، والرجل للمشي لا للشم، فأما الأعضاء الباطنة من الأمعاء والمرارة والكبد والكلية وآحاد العروق) المختلفة والأعصاب والعضلات (وما فيها من التجاويف والالتفات والاشتباك والانحراف) والالتواء (والدقة والغلظ وسائر الصفات فلا يعرف الحكمة فيها كافة الناس، والذين يعرفونها) كأهل التشريح (لا يعرفون منها إلا قدرا يسيرا، بالإضافة إلى ما في علم الله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، فإذا كل من استعمل شيئا في جهة غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي أريد به فقد كفر فيه نعمة الله تعالى، فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد إذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يهلكه ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره، ومن نظر إلى وجه غير محرم فقد كفر نعمة العين ونعمة الشمس، إذ الإبصار يتم بهما، وإنما خلقتا ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه، ويتقي بهما ما يضره فيهما، فقد استعملهما في غير ما أريدا له، وهذا لأن المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها أن يستعين الخلق بها على الوصول إلى الله تعالى، ولا وصول إليه إلا بمحبته والأنس به في الدنيا والتجافي) أي: التباعد (عن غرور الدنيا، ولا أنس إلا بدوام الذكر، ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر) والمراقبة لجلاله وكماله .




الخدمات العلمية