بيان آداب الفقير في فقره .
اعلم أن للفقير آدابا في باطنه وظاهره ومخالطته وأفعاله ينبغي أن يراعيها .
فأما أدب باطنه فأن لا يكون فيه كراهية لما ابتلاه الله تعالى به من الفقر أعني أنه لا يكون كارها فعل الله تعالى من حيث أنه فعله ، وإن كان كارها للفقر كالمحجوم يكون كارها للحجامة لتألمه بها ولا يكون كارها فعل الحجام ولا كارها للحجام بل ربما يتقلد منه منة فهذا أقل درجاته وهو واجب ونقيضه حرام ومحبط ثواب الفقر وهو معنى قوله : صلى الله عليه وسلم :
يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا وأرفع من هذا أن لا يكون كارها للفقر بل يكون راضيا به وأرفع منه أن يكون طالبا له وفرحا به لعلمه بغوائل الغنى ويكون متوكلا في باطنه على الله تعالى واثقا به في قدر ضرورته أنه يأتيه لا محالة ويكون كارها للزيادة على الكفاف ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29544لله تعالى عقوبات بالفقر ومثوبات بالفقر من علامات ، الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه ويطيع به ربه ولا يشكو حاله ويشكر الله تعالى على فقره ، ومن علاماته إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه ويعصي ربه بترك طاعته ، ويكثر الشكاية ويتسخط القضاء وهذا يدل أن كل فقير فليس بمحمود بل المحمود الذي لا يتسخط ويرضى أو يفرح بالفقر ويرضى لعلمه بثمرته إذ قيل : ما أعطي عبد شيئا من الدنيا إلا قيل له خذه على ثلاثة أثلاث: شغل وهم وطول حساب .
وأما أدب ظاهره فأن
nindex.php?page=treesubj&link=19632_29545يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستر فقره ويستر أنه يستره ، ففي الحديث :
nindex.php?page=treesubj&link=29545_29544_19632إن الله تعالى يحب الفقير المتعفف أبا العيال وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقال
سفيان أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم : ستر الفقر من كنوز البر .
بَيَانُ آدَابِ الْفَقِيرِ فِي فَقْرِهِ .
اعْلَمْ أَنَّ لِلْفَقِيرِ آدَابًا فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ وَمُخَالَطَتِهِ وَأَفْعَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَهَا .
فَأَمَّا أَدَبُ بَاطِنِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لِمَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْفَقْرِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَارِهًا فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ فَعَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِلْفَقْرِ كَالْمَحْجُومِ يَكُونُ كَارِهًا لِلْحِجَامَةِ لِتَأَلُّمِهِ بِهَا وَلَا يَكُونُ كَارِهًا فِعْلَ الْحَجَّامِ وَلَا كَارِهًا لِلْحَجَّامِ بَلْ رُبَّمَا يَتَقَلَّدُ مِنْهُ مِنَّةً فَهَذَا أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَنَقِيضُهُ حَرَامٌ وَمُحْبِطٌ ثَوَابَ الْفَقْرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَا مَعْشَرَ الْفُقَرَاءِ أَعْطُوا اللَّهَ الرِّضَا مِنْ قُلُوبِكُمْ تَظْفَرُوا بِثَوَابِ فَقْرِكُمْ وَإِلَّا فَلَا وَأَرْفَعُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ كَارِهًا لِلْفَقْرِ بَلْ يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ وَأَرْفَعُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لَهُ وَفَرِحًا بِهِ لِعِلْمِهِ بِغَوَائِلِ الْغِنَى وَيَكُونُ مُتَوَكِّلًا فِي بَاطِنِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاثِقًا بِهِ فِي قَدْرِ ضَرُورَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ لَا مَحَالَةَ وَيَكُونُ كَارِهًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْكَفَافِ ، وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29544لِلَّهِ تَعَالَى عُقُوبَاتٍ بِالْفَقْرِ وَمَثُوبَاتٍ بِالْفَقْرِ مِنْ عَلَامَاتِ ، الْفَقْرِ إِذَا كَانَ مَثُوبَةً أَنْ يَحْسُنَ عَلَيْهِ خُلُقُهُ وَيُطِيعَ بِهِ رَبَّهُ وَلَا يَشْكُوَ حَالَهُ وَيَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى فَقْرِهِ ، وَمِنْ عَلَامَاتِهِ إِذَا كَانَ عُقُوبَةً أَنْ يَسُوءَ عَلَيْهِ خُلُقُهُ وَيَعْصِيَ رَبَّهُ بِتَرْكِ طَاعَتِهِ ، وَيُكْثِرَ الشِّكَايَةَ وَيَتَسَخَّطَ الْقَضَاءَ وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ كُلَّ فَقِيرٍ فَلَيْسَ بِمَحْمُودٍ بَلِ الْمَحْمُودُ الَّذِي لَا يَتَسَخَّطُ وَيَرْضَى أَوْ يَفْرَحُ بِالْفَقْرِ وَيَرْضَى لِعِلْمِهِ بِثَمَرَتِهِ إِذْ قِيلَ : مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا قِيلَ لَهُ خُذْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْلَاثٍ: شُغْلٌ وَهَمٌّ وَطُولُ حِسَابٍ .
وَأَمَّا أَدَبُ ظَاهِرِهِ فَأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19632_29545يُظْهِرَ التَّعَفُّفَ وَالتَّجَمُّلَ وَلَا يُظْهِرَ الشَّكْوَى وَالْفَقْرَ بَلْ يَسْتُرُ فَقْرَهُ وَيَسْتُرُ أَنَّهُ يَسْتُرُهُ ، فَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29545_29544_19632إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْفَقِيرَ الْمُتَعَفِّفَ أَبَا الْعِيَالِ وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وَقَالَ
سُفْيَانُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الْمِحْنَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سَتْرُ الْفَقْرِ مِنْ كُنُوزِ الْبِرِّ .