المهم الثاني : الملبس .
وأقل درجته ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يتغطى به وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل وما جاوز هذا من حيث المقدار فهو مجاوز أن لا يكون له ثوب يلبسه إذا غسل ثوبه بل يلزمه القعود في البيت فإذا صار صاحب قميصين وسراويلين ومنديلين فقد خرج من جميع ألوان الزهد من حيث المقدار . حد الزهد وشرط الزاهد
أما الجنس فأقله المسوح .
الخشنة وأوسطه الصوف الخشن وأعلاه القطن الغليظ .
وأما من حيث الوقت فأقصاه ما يستر سنة وأقله ما يبقى يوما حتى رقع بعضهم ثوبه بورق الشجر وإن كان يتسارع الجفاف إليه وأوسطه ما يتماسك عليه شهرا ومما يقاربه ، فطلب ما يبقى أكثر من سنة خروج إلى طول الأمل وهو مضاد للزهد وإلا إذا كان المطلوب خشونته ثم قد يتبع ذلك قوته ودوامه فمن وجد زيادة من ذلك فينبغي أن يتصدق به فإن أمسكه لم يكن زاهدا بل كان محبا للدنيا ولينظر فيه إلى أحوال الأنبياء والصحابة كيف تركوا الملابس قال أبو بردة رضي الله تعالى عنها : كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت : قبض رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في هذين عائشة وقال : صلى الله عليه وسلم : أخرجت لنا إن الله تعالى يحب المتبذل الذي لا يبالى مما لبس وقال عمرو بن الأسود العنسي لا ألبس مشهورا أبدا ولا أنام بليل أبدا على دثار أبدا ولا أركب على مأثور أبدا ولا أملأ جوفي من طعام أبدا فقال من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله : صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى عمر عمرو بن الأسود .
وفي الخبر ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه وإن كان عنده حبيبا واشترى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : ثوبا بأربعة دراهم .
وكانت قيمة ثوبيه عشرة وكان إزاره أربعة أذرع ونصفا واشترى سراويل بثلاثة دراهم .
وكان يلبس شملتين بيضاوين من صوف وكانت تسمى حلة لأنها ثوبان من جنس واحد وربما كان يلبس بردين يمانيين أو سحوليين من هذه الغلاظ .
وفي الخبر : كان قميص رسول الله : صلى الله عليه وسلم كأنه قميص زيات .
ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوما واحدا ثوبا سيراء من سندس قيمته مائتا درهم فكان أصحابه يلمسونه ويقولون : يا رسول الله أنزل عليك هذا من الجنة تعجبا وكان قد أهداه إليه المقوقس ملك الإسكندرية فأراد أن يكرمه بلبسه ثم نزعه وأرسل به إلى رجل من المشركين وصله به ثم حرم لبس الحرير والديباج .
وكأنه إنما لبسه أولا تأكيدا للتحريم كما لبس خاتما من ذهب يوما ثم نزعه فحرم لبسه على الرجال وكما قال في شأن لعائشة بريرة اشترطي لأهلها الولاء فلما اشترطته صعد عليه السلام المنبر فحرمه وكما أباح المتعة ثلاثا ثم حرمها لتأكيد أمر النكاح وقد صلى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في خميصة لها علم فلما سلم قال شغلني النظر إلى هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته يعني كساءه فاختار لبس الكساء على الثوب الناعم وكان شراك نعله قد أخلق فأبدل بسير جديد فصلى فيه فلما سلم قال : أعيدوا الشراك الخلق وانزعوا هذا الجديد فإني نظرت إليه في الصلاة ولبس خاتما من ذهب ونظر إليه على المنبر نظرة فرمى به فقال شغلني : هذا عنكم نظرة إليه ونظرة إليكم وقال : أعجبني حسنهما فتواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما فدفعهما إلى أول مسكين رآه وكان : صلى الله عليه وسلم : قد احتذى مرة نعلين جديدين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا .
وعن سنان بن سعد قال . حيكت لرسول الله : صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار وجعلت حاشيتها سوداء ، فلما لبسها قال : انظروا ما أحسنها ما ألينها قال : فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله هبها لي ، وكان رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إذا سئل شيئا لم يبخل به قال : فدفعها إليه وأمر أن يحاك له واحدة أخرى فمات : صلى الله عليه وسلم : وهي في المحاكة
وعن قال جابر دخل رسول الله : صلى الله عليه وسلم : على فاطمة رضي الله تعالى عنها : وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل ، فلما نظر إليها بكى وقال : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الأبد فأنزل الله عليه ولسوف يعطيك ربك فترضى وقال : صلى الله عليه وسلم : إن من خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله تعالى : ويبكون سرا من خوف عذابه مؤنتهم على الناس خفيفة وعلى أنفسهم ثقيلة يلبسون الخلقان ويتبعون الرهبان أجسامهم في الأرض وأفئدتهم عند العرش فهذه كانت سيرة رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في الملابس وقد أوصى أمته عامة باتباعه إذ قال : من أحبني فليستن بسنتي وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وقال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وأوصى رسول الله : صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها : خاصة وقال عائشة إن أردت اللحوق بي فإياك ومجالسة الأغنياء ولا تنزعي ثوبا حتى ترقعيه عمر : رضي الله عنه : اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم . و عد على قميص
واشترى كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم ولبسه وهو في الخلافة وقطع كميه من الرسغين وقال : الحمد لله الذي كساني هذا من رياشه . علي بن أبي طالب
وقال الثوري وغيره : البس من الثياب ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند الجهال وكان يقول : إن الفقير ليمر بي وأنا أصلي فأدعه يجوز ويمر بي واحد من أبناء الدنيا وعليه هذه البزة فأمقته ولا أدعه يجوز وقال بعضهم : قومت ثوبي سفيان ونعليه بدرهم وأربعة دوانق وقال خير ثيابي ما خدمني وشرها ما خدمته . ابن شبرمة
وقال بعض السلف : البس من الثياب ما يخلطك بالسوقة ولا تلبس منها ما يشهرك فينظر إليك .
وقال الثياب ثلاثة : ثوب لله وهو ما يستر العورة وثوب للنفس وهو ما يطلب لينه وثوب للناس وهو ما يطلب جوهره وحسنه . أبو سليمان الداراني
وقال بعضهم : من رق ثوبه رق دينه .
وكان جمهور العلماء من التابعين قيمة ثيابهم ما بين العشرين إلى الثلاثين درهما وكان الخواص لا يلبس أكثر من قطعتين قميص ومتزر تحته ، وربما يعطف ذيل قميصه على رأسه وقال بعض السلف : أول النسك الزي .