الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن لم ؟ يتكامل يقينه بهذه الأمور لم يتصور منه التوكل ولذلك قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري لي من كل مقام نصيب ، إلا من هذا التوكل المبارك ، فإني ما شممت منه رائحة هذا كلامه مع علو قدره ولم ينكر كونه من المقامات الممكنة ، ولكنه قال : ما أدركته ، ولعله أراد إدراك أقصاه وما لم يكمل الإيمان بأن لا فاعل إلا الله ، ولا رازق سواه وأن ، كل ما يقدره على العبد من فقر وغنى ، وموت وحياة فهو خير له مما يتمناه العبد ، لم يكمل حال التوكل فبناء التوكل على قوة الإيمان بهذه الأمور ، كما سبق وكذا سائر مقامات الدين من الأقوال والأعمال تنبني على أصولها من الإيمان .

التالي السابق


(ومن لم يتكامل يقينه بهذه الأمور لم يتصور منه التوكل) ، وبه يعرف أن التوكل لا يختص بترك الأسباب، وترك الادخار، بل يعم أبواب الإيمان والعلوم والمعارف والأحوال (ولذلك قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري) رحمة الله عليهما، وابن أبي الحواري تلميذه (لي من كل مقام نصيب، إلا من هذا التوكل المبارك، فإني ما شممت منه رائحة) .

ولفظ القشيري: يا أحمد، إن طرق الآخرة كثيرة، وشيخك عارف بكثير منها، إلا هذا التوكل، فإني ما شممت منه رائحة انتهى .

ولفظ القوت، وكان سهل يقول: ليس في المقامات أعز من التوكل، وقد ذهبت الأنبياء بحقيقته، وبقي منها صبابة استفها الصديقون، وبعض الشهداء، فمن تعلق بشيء منه فهو صديق، أو شهيد .

وقال أبو سليمان الداراني: في كل المقامات لي قدم إلا هذا التوكل المبارك، فما لي منه إلا مشام الريح (هذا مع علو قدره) في مقام التوكل وغيره من المقامات، (ولم ينكر كونه من المقامات الممكنة، ولكنه قال: ما أدركته، ولعله أراد إدراك أقصاه) ، وفيه دلالة على كمال أبي سليمان وإقراره على نفسه بأن التوكل أعلى المقامات، وأعلاه الذي هو التفويض أو التسليم لم يتمكن فيه بعد، إما حقيقة أو تأديبا لنفسه بتقصيرها في نيلها أعلى المقامات، وإما تأدبا وتبرأ من حوله وقوته، وهو اللائق بحاله وكمال معرفته (وما لم يكمل الإيمان بأن لا فاعل إلا الله، ولا رازق سواه، وإن كل ما يقدره) سبحانه (على العبد من فقر وغنى، وموت وحياة) وقبض وبسط (فهو خير له مما يتمناه العبد، لم يكمل حال التوكل فمبنى التوكل على قوة الإيمان بهذه الأمور، كما سبق) في التوحيد، فإن قوي إيمانه قوي توكله، (وكذا سائر مقامات الدين من الأقوال والأعمال تنبني على أصولها من الإيمان) .




الخدمات العلمية