الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل الثاني .

أن انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب ، بل الله تعالى خلق القدرة والمقدور جميعا ، وخلق الاختيار والمختار جميعا .

فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه وليست ، بكسب له .

وأما الحركة فخلق للرب تعالى ، ووصف للعبد وكسب له فإنها خلقت مقدورة بقدرة هي وصفه وكانت الحركة نسبة إلى صفة أخرى تسمى قدرة ، فتسمى باعتبار تلك النسبة كسبا وكيف تكون جبرا محضا وهو بالضرورة يدرك التفرقة بين الحركة المقدورة والرعدة الضرورية أو كيف يكون خلقا للعبد وهو لا يحيط علما بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة وأعدادها وإذا بطل ؟! الطرفان لم يبق إلا الاقتصاد في الاعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا وبقدرة العبد على وجه آخر من التعليق يعبر عنه بالاكتساب .

وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع فقط ; إذ قدرة الله تعالى في الأزل قد كانت متعلقة بالعالم ، ولم يكن الاختراع حاصلا بها وهي عند الاختراع متعلقة به نوعا آخر من التعلق فبه يظهر أن تعلق القدرة ليس مخصوصا بحصول المقدور بها .

التالي السابق


(الأصل الثاني: أن انفراد الله سبحانه باختراع حركات العباد) جمع العبد، والمراد به هنا: كل حادث وقع في محل قدرته فعل اختياري، من إنس أو جن أو ملك، (لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب، بل الله تعالى خالق القدرة والمقدور) أي: من قامت به القدرة لإيجاده (جميعا، وخلق الاختيار والمختار) ، هو من قام به وصف الاختيار (فأما القدرة فوصف للعبد وخلق للرب سبحانه، وليس بكسب له، وأما الحركة فخلق للرب تعالى، ووصف للعبد وكسب له) ، أي كما أنها وصف للعبد، ومخلوقة للرب تعالى، لها أيضا نسبة إلى قدرة العبد كسبا، بمعنى أنها مكسوبة له; (فإنها) أي: تلك الحركة (خلقت مقدورة بقدرة هي وصفه) ، كذا في النسخ، وفي بعضها: "هي صفة"، وفي أخرى: "وهي صفة"، بزيادة الواو، (وكانت الحركة نسبة) ، وفي بعض النسخ: "فكانت"، وفي أخرى [ ص: 166 ] "فكانت للحركة" (نسبة إلى صفة أخرى تسمى قدرة، فتسمى) وفي بعض النسخ: "فيسمى"، (باعتبار تلك النسبة كسبا) .

اعلم أن هذا الأصل معقود على بيان كسب العبد، وقد ضرب به المثل، حتى قالوا: أدق من كسب الأشعري.

وقد قال بعض من عاب الكلام - كما نقله ابن القيم وغيره-: محالات الكلام ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري. أي: يقول: قدرة ولا أثر لها. وذلك عين العجز، وإن كان هذا الكلام وأمثاله من سوء التعبير; حيث عد معتقد أهل السنة والجماعة مع محالات المعتزلة، ومذهب أهل الحق لا جبر ولا اعتزال، كما يشير إليه المصنف .

وقد اضطرب المحققون في تحرير الواسطة التي عسر التعبير عنها، والحنفية يسمونها الاختيار، والصحيح أن الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد، ولكن الأشعري آثر لفظ الكسب; لكونه منطوق القرآن، والماتريدي آثر لفظ الاختيار; لما فيه من إشعار قدرة العبد، كما تقدم، والفرق بين الكسب والخلق أن الكسب أمر لا يستقل به الكاسب، والخلق أمر يستقل به الخالق .

وقيل: ما وقع بآلة فهو كسب، وما وقع لا بآلة فهو خلق، ثم ما أوجده الله سبحانه من غير اقتران قدرة العبد وإرادته يكون صفة له، ولا يكون فعلا له، وما أوجده مقارنا لإيجاد قدرته واختياره فيوصف بكونه صفة وفعلا وكسبا; فالجبرية أنكروا أن يكون للعبد قدرة البتة، والمثبتون لهذا المعنى الذي سموه قدرة مختلف فيه، فقال الأشعري: إنها تتعلق ولا تؤثر; فإن الفعل واقع عنده بمحض قدرة الله تعالى، ولا يتصور وقوع مقدور بين قادرين; فآلت التفرقة عنده بين الحركتين إلى أن إحداهما واقعة على وفق قصده واختياره، والأخرى غير واقعة كذلك، وإلى اعتقاد تيسير بعض الأفعال عادة، فسمي أحد القسمين مقدورا، فهو متعلق التكليف، والثاني غير مقدور، والتكليف بمثله يكون من تكليف المحال، وهو يقول بجوازه، وتردد النقل عنه في وقوعه، وإلى هذا القول مال أهل الحديث والصوفية، ويقولون: إن للعبد قدرة تتعلق بالفعل، يخلقها الله عند خلق الفعل من غير تأثير لها فيه، وإنما التأثير للباري جل وعز، ويعرف هذا بالجبر المتوسط، واختاره إمام الحرمين في الإرشاد .

ومنهم من قال: إنها تؤثر، واختلفوا في جهة التأثير، فزعم القاضي أبو بكر الباقلاني أنها تؤثر في أخص وصف الفعل; فإن الحركة من حيث كونها تنقسم إلى صلاة وغصب وسرقة.. وغير ذلك، وهذه الوجوه منسوبة إلى العبد كسبا، وأصل الفعل منسوب إلى الله تعالى إيجادا وإبداعا، واختاره الشهرستاني، وإلى ذلك ذهب أبو إسحق الإسفراييني، إلا أنه ينفي الأحوال، ويقول: إن أخص وصف الشيء وجه واعتبار في الفعل .

ولإمام الحرمين مذهب يزيد على المذهبين جميعا، ويدنو كل الدنو من الاعتزال، وليس هو هو; فإنه قال في الرسالة النظامية - وهي آخر مؤلفاته-: إن القدرة الحادثة تؤثر في أصل إيجاد الفعل، كما قاله المعتزلة، إلا أنه قال: إن العبد إنما يوقع ما يوقعه على أقدار قدرها الله تعالى .

وقال: إن هذا المذهب هو الجامع لمحاسن المذاهب; فإن القدرة إذا لم تؤثر من وجه البتة لم يحسن التكليف ولا تخصيص فعل بثواب ولا عقاب، كما ذهب إليه المعتزلة، وفي إثبات ذلك ما يدل لهذا، وحيث قال: إن العبد لا يوقع إلا ما قدره الله.. إلخ; لم يلزمه ما لزم المعتزلة من مخالفة الإجماع، وهو أن: "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن"، وقد مال إلى هذا المصنف .

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي: أصل الفعل بقدرة الله تعالى، والاتصاف بكونه طاعة أو معصية بقدرة العبد، وهو مذهب جمهور مشايخ الماتريدية; ففي التوضيح: إن مشايخنا ينفون عن العبد قدرة الإيجاد والتكوين، فلا خالق ولا مكون إلا الله تعالى، لكن يقولون: إن للعبد قدرة ما، على وجه لا يلزم منه وجود أمر حقيقي لم يكن، بل إنما تختلف بقدرته النسب والإضافات فقط، كتعيين أحد المتساويين وترجيحه. وفي التلويح أنه اختيار الباقلاني .

ثم إن المصنف لاحظ أن ما ذهب إليه شيخه في الرسالة النظامية، وصار إليه في آخر عمره، لا ينجيه من الجبر; فإن العبد إذا كان لا يوقع إلا ما خصصه الله له وقدر إيقاعه، فعند ذلك لا يتأتى منه الفعل بدون ذلك، وإذا أراد الله ذلك فلا يتأتى منه الترك البتة، فالجبر لازم له، فأشار إلى الرد بقوله: (وكيف يكون جبرا محضا وهو) أي: العبد العاقل (يدرك التفرقة) الضرورية بطريق الوجدان (بين الحركة المقدورة) له، وهي الاختيارية، [ ص: 167 ] وبين (الرعدة الضرورية) التي تصدر بدون اختيار، كحركة اليد من المرتعش، وهذا من باب الاستدلال بالسبب على المسبب .

قال ابن التلمساني: والحق أن الإنسان كما يجد من نفسه تأتيا لبعض الأفعال، زائدا على سلامة البنية يجد من نفسه أنه لا يستقل بدون إعانة الله تعالى، كما قال تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين ، وفي محجة الحق لأبي الخير القزويني: العاقل يفرق بين الحركة الاضطرارية والاختيارية، فلا يخلو إما أن ترجع التفرقة إلى نفس الحركة، أو إلى غيرها، محال أن ترجع التفرقة إلى نفسها; لأنا نفرض الكلام فيما إذا كانت الحركتان في صوب واحد، فتعين أن يكون مرجعهما معنى زائدا، ثم ذلك المعنى لا يخلو إما أن يكون سلامة البنية أو غيرها، محال أن يكون سلامة البنية; لأن العاقل يفرق بين أن يحرك يده، وبين أن يحرك يد غيره; فتعين أن يكون معنى زائدا عليها، ثم ذلك المعنى لا يخلو إما أن يكون إرادة أو قدرة، محال أن يكون إرادة; لأن حركة النائم مكتسبة، وليست مرادة له، فتعين أن ترجع التفرقة إلى القدرة، وإلى حدها. اهـ .

وقرره ابن التلمساني بوجه آخر، فقال: التفرقة لا ترجع إلى ذات الحركة; فإنها من حيث إنها تفريغ وإشغال لا تختلف، ولا إلى ذات المتحرك; فإنها في حال دخوله بنفسه وحال سجنه لا تختلف، وكذلك تحريك الغير ليده السليمة، فتعين أن ترجع التفرقة إلى أمر زائد، وذلك الزائد يمنع رده إلى السلامة، ونفي الآفة; فإنه مدرك بالحس، والعدم لا يحس، وندرك بالضرورة أن لذلك المعنى نسبة إلى الحركة، وليست مقارنة للحركة كمقارنة كون اليد للحركة. اهـ .

والحاصل أن ما ذهب إليه أهل الحق لا يلزم الجبر المحض كما زعم الخصم; إذ كانت الحركة المذكورة متعلق قدرة العبد، داخلة في اختياره، وهذا التعلق هو المسمى عندهم بالكسب، ومعنى الجبر المحض أن لا تأثير لقدرة العبد أصلا في إيجاد الأفعال، ولما ثبت من مذهب أهل السنة أن الله تعالى خلق للعبد قدرة على الأفعال، والقدرة ليس خاصيتها من بين الصفات إلا إيجاد المقدور; لأنها صفة تؤثر على وفق الإرادة، ويستحيل اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد، والنصوص التي تقدمت من القرآن عامة، تشمل أفعال العباد، فيكونون مستقلين بإيجاد أفعالهم بقدرهم الحادثة بخلق الله تعالى إياها باختياره تعالى، كما هو مذهب المعتزلة، أو بطريق الإيجاب بالذات، كما هو مذهب الفلاسفة، وإلا كان جبرا محضا، فأشار المصنف إلى الرد عليهم بقوله: (أو كيف يكون) الفعل (خلقا للعبد) اختيارا أو إيجابا (وهو) أي: العبد (لا يحيط علما بتفاصيل أجزاء الحركات المكتسبة وأعدادها؟!) ومع كونه منبع النقصان وغير ذلك، وما ذكروا من استحالة اجتماع مؤثرين على أثر واحد، فالجواب عنه أن دخول مقدور تحت قدرتين إحداهما قدرة الاختراع والأخرى قدرة الاكتساب جائز، وإنما المحال اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد (وإذ أبطل الطرفان) إثبات الاضطرار وإثبات الاختيار (لم يبق إلا الاقتصاد) ، وهي الحالة الوسطى (في الاعتقاد) لا جبر محض، ولا اعتزال .

وفي شرح الصحائف: وقال قوم من العلماء إن المؤثر مجموع قدرة الله وقدرة العبد. وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر، وهو أقرب إلى الحق. اهـ .

وإليه أشار الإمام في الفقه الأكبر، وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة، والله خالقها، أي بتأثير اختيارهم في الاتصاف; فإنه الكسب على الحقيقة دون مجرد مقارنة الاختيار والمدخلية في الإيجاد; فإن الخلق أمر إضافي يجب أن يقع به المقدور في محل القدرة، ولا يصبح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر; فالكسب لا يوجب وجوب المقدور، بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور، واختلاف الإضافات مبني على الكسب، لا على الخلق، كما في التوضيح وفي التلويح أن المحققين من أهل السنة على نفي الجبر والقدر، وإثبات أمر بين الأمرين، وهو أن المؤثر في فعل العبد -أي: أصله ووصفه- مجموع خلق الله تعالى، واختيار العبد، لا الأول فقط ليكون جبرا، ولا الثاني فقط ليكون قدرا، وكان القول بتأثير القدرتين - قدرة الله في الإيجاد، وقدرة العبد في الكسب والاتصاف، كما دل مجموع الكلام- قولا متوسطا جامعا مقتضى جميع الأدلة، وأشار له المصنف بقوله: (وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا) وخلقا (وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنها [ ص: 168 ] بالاكتساب) ، عملا بظاهر الآية: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، (وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع) الذي هو خاصيتها، أي: التأثير (فقط; إذ قدرة الله تعالى في الأزل قد كانت متعلقة بالعالم، ولم يكن الاختراع حاصلا بها) ، أي: ولم يحصل الاختراع بها إذ ذاك (وهي عند الاختراع متعلقة به) ، أي بالعالم (نوعا آخر من التعلق) ، فبطل أن القدرة من حيث تعلقها مختصة بإيجاد المقدور، وإليه أشار بقوله: (فبه) أي: بما تقدم ذكره (يظهر أن تعلق القدرة ليس مخصوصا بحصول المقدور بها) ، وهذا التعلق هو المسمى بالكسب، وأورد عليه ابن الهمام فقال: ولقائل أن يقول: قولكم: "إن قدرة العبد تتعلق بالحركة، لا على وجه التأثير فيها، وإن التعلق لا على وجه التأثير هو الكسب"، مجرد ألفاظ لم يحصلوا لها معنى، ونحن ما نفهم من الكسب إلا معنى التحصيل، وتحصيل الفعل المعدوم ليس إلا إدخاله في الوجود، وهو إيجاده. وقولكم: "إن القدرة الحادثة تتعلق بلا تأثير كتعلق القدرة القديمة في الأزل"، ممنوع، وتحقيق المقام أن نقول: معنى ذلك التعلق الأزلي للقدرة القديمة: نسبة المعلوم الوقوع من مقدوراتها إليها بأنها ستؤثر في إيجاد ذلك المعلوم عند وقت وجوده، وذلك أن القدرة إنما تؤثر على وفق الإرادة، وتعلق الإرادة بوقوع الشيء هو تخصيص ذلك الوقوع بوقته، دون ما قبله وما بعده من الأوقات، والقدرة الحادثة يستحيل فيها ذلك; لأنها مقارنة للفعل عندكم، فلم يكن تعلقها بالفعل إلا على ما ذكرتم، أما التأثير كما هو الظاهر، أو تبينوا لتعلقها بالفعل معنى محصلا ينظر فيه ليقبل أو يرد، ولو سلم ما ذكرتم من أن قدرة العبد تتعلق بالفعل بلا تأثير فيه، فالمقتضي لوجوب تخصيص تلك النصوص بإخراج أفعال العباد الاختيارية منها هو لزوم الجبر المحض، المستلزم لبطلان الأمر والنهي، ولزومه مبني على تقدير أن لا أثر في الفعل لقدرة المكلف بالأمر والنهي، ولا يدفع هذا اللزوم تعلق بلا تأثير فيه; لبناء اللزوم على نفي أثر القدرة الحادثة .

وأجاب عنه تلميذه ابن أبي شريف بقوله: ولك أن تقول: إن الكسب لا يفهم منه إلا معنى التحصيل معه بحسب ما وضع له لغة، وكلامنا هنا في المعنى المسمى بالكسب بوضع اصطلاحي، وذلك لا ينافي كوننا لا نفهم بحسب اللغة من معنى الكسب إلا التحصيل، ثم لك أن تقول: قولكم: "إن لزوم الجبر يقتضي تخصيص تلك النصوص العامة بإخراج أفعال العباد منها"، ممنوع; فإن لزوم الجبر يندفع بتخصيص النصوص بإخراج فعل واحد قلبي، لا بإخراج كل فعل من أفعال العباد البدنية والقلبية .

ثم قال: واعلم أن الأشعرية لا ينفون عن القدرة الحادثة إلا التأثير بالفعل، لا بالقوة; لأن القدرة الحادثة عندهم صفة شأنها التأثير والإيجاد، لكن تخلف أثرها في أفعال العباد لمانع هو تعلق قدرة الله تعالى بإيجادها، كما في شرح المقاصد وغيره، وقد نقل في شرح العقائد تعريفها بأنها صفة يخلقها الله تعالى في العبد عند قصده اكتساب الفعل، مع سلامة الأسباب والآلات، ونقل فيه أيضا أنها عند جمهور أهل السنة شرط لوجود الفعل، يعني أنها شرط عادي يتوقف الفعل على تعلقها به توقف المشروط على الشرط، لا توقف المتأثر على المؤثر، وبهذا يظهر أن مناط التكليف بعد خلق الاختيار للعبد هو قصده الفعل، وتعليقه قدرته به بأن يقصده قصدا مصمما، طاعة أو معصية، وإن لم تؤثر قدرته وجود الفعل لمانع هو تعلق قدرة الله التي لا يقاومها شيء، بإيجاد ذلك الفعل، فإن قيل: إن القدرة عندكم مقارنة للفعل لا قبله فكيف يتصور تعليق العبد إياها بالفعل قبل وجودها، قلنا: لما اطردت العادة الإلهية بخلق الاختيار المترتب عليه صحة قصد الفعل، سواء كان ذلك كفا للنفس، أو غير كف، كان وجودها مع المباشرة متحقق الوقوع، بحسب اطراد العادة، فصح تعليقها بالفعل المباشر بأن يقصد قصدا مصمما لتحقق وجودها مع الشروع فيه، إذا تقرر لك ذلك ظهر أن تعليق قدرة العبد التي تعلقها شرط هو الكسب الذي هو مناط الثواب والعقاب، وبه يتضح فهم كسب الأشعري، وبالله التوفيق .



(تنبيه)

قال العلامة أبو سالم العياشي في رحلته في ترجمة شيخه الإمام العارف ملا إبراهيم الكوراني، وتعديد مقروءاته عليه حين مجاورته بالمدينة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- ما نصه: وقرأت عليه رسالة كتبها برسمي [ ص: 169 ] في المسألة التي ألف فيها شيخنا صفي الدين القشاشي وبالغ في إيضاحها، وتعددت تآليفه فيها، وهي مسألة كسب العبد، ونسبة فعل العبد إليه وإلى قدرة الرب، فقد انتصر الشيخ في ذلك للقولة المنسوبة لإمام الحرمين، وتأولها على ما لا ينافي مذاهب أهل الحق، وتشهد له بصائر أهل الكشف، وتعضده شواهد الآيات، ومعاني الأخبار الصحيحة، وما فعل رضي الله عنه من تأويلها، وتبين معناها على حسب ما ظهر، وإن كان فيه غموض على أفهام كثير من الناس، أولى مما فعله كثير من المشايخ ببطلانها والتشنيع على الإمام وعلى من نسبها إليه، وأنكروا وجودها في كتبه، وذلك قصور منهم; فإنها قولة صحت عن الإمام في رسالته النظامية التي هي من آخر مؤلفاته، ولذلك لم يتردد المتقدمون بنسبتها إليه; لإحاطتهم بأخبار الإمام ومطالعتهم لكتبه، ولما لم تشتهر هذه المسألة - لتأخرها- كاشتهار الإرشاد وغيره، لم تبلغ إلى بعض المتأخرين، فأنكر وجود القولة المشهورة في شيء من كتب الإمام، وظن أنها مفتعلة عليه، أو صدرت منه في مجلس المناظرة على وجه المعارضة، أو إرخاء العنان.. إلى غير ذلك مما لا يعد مذهبا لقائله، وقد بالغ شيخنا في إيضاحها والاستشهاد في رسائله الثلاث، وكذلك تلميذه السابق ذكره بالغ في بيانها وكشفها، ومع ذلك لم تخل عن غموض، ولم تتضح كل الوضوح، ولا غرو; إذ هي من معضلات المسائل التي حارت فيها أفكار المتقدمين، ولم تحصل على طائل في تحقيق معناها آراء المتأخرين، فقصارى أمرهم فيها اعتقاد انفراد الرب تعالى بالخلق والاختراع، واعتقادات للعبد في أفعاله الاختيارية كسبا به، صح نسبة الأفعال إليه، وبه ثبت التكليف، وعليه ترتب الثواب والعقاب، وهذا معتقد جميع أهل السنة، وهو الحق الذي لا محيص عنه، ولكنه إذا ضويقوا في تحقيق معنى هذا الاكتساب وتبيينه تباينت آراؤهم بين مائل إلى ما يقرب من الجبر، ومائل إلى ما يقرب من القدر، وأهل السنة لا يقولون بواحد منهما; فقد قال السعد في شرح العقائد - بعدما ذكر كلاما في معنى الكسب- ما نصه: وهذا القدر من المعنى ضروري; إذ لم نقدر على أزيد من ذلك في تلخيص العبارة المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق الله تعالى وإيجاده، مع ما للعبد فيه من القدرة والاختيار، فإذا علم أن فحول أهل السنة قد عجزوا عن تحقيق معناه، مع تظاهرهم وتضافر معتقداتهم على نفي الجبر والاستقلال، فلا ينبغي المبادرة إلى التشنيع والإنكار على من أحدث قولا في المسألة بفهم آتاه الله تعالى إياه، أو انتصر إلى قول من الأقوال المقولة فيها لأهل السنة بدلائل بينها الحق له، وبصيرة أنارتها الهداية الإلهية، ما دام لم ينقض بصحة أحد القولين المتفق على بطلانهما عند أهل الحق، وهما الجبر والاستقلال; لأن ذلك هو المعيار الصادق، فما دام العبد يعتقد في المسألة معتقدا ليس بجبر ولا استقلال فهو على الجادة، وإن عجز عن تحقيقه; إذ لا نكلف بإدراك الكنه في كثير من المسائل الاعتقادية، وإنما المكلف به فيها هو اعتقاد الثبوت والوجود فقط، وهذه المسألة -أعني مسألة الكسب- ليست من المسائل التي يستحيل فيها إدراك الكنه حتى نحكم بتضليل من ادعى إدراك كنهه وحقيقته، بل لغموضه وخفائه لم نكلف بمعرفة حقيقته، بل باعتقاد ثبوته ووجوده، وأن للعبد كسبا به نيط التكليف ، يوجد بوجوده مع استكمال الشرائط، وينتفي بانتفائه; لأن من لم يعتقد ذلك وقع لا محالة في أحد أمرين محالين، وغاية ما نقول في الكسب: هو صفة من صفات العبد يحس كل أحد بوجودها فيه وثبوتها في محله، فبها يفرق بين أفعاله الاختيارية والضرورية، ولكنه لا يدري حقيقتها، ولا يحقق قبل التحقيق نسبة أفعاله إليها، مع اعتقاد انفراد الله تعالى بخلق العبد وخلق أفعاله، غير مفتقر إلى معنى، واعتقاد أن لكسب العبد دخلا في وجود أفعاله على وجه لا يضايق فيه القدرة الإلهية ولا يزاحمها ولا يعينها، ولكن عجزنا عن إدراك ذلك على وجهه، ومن آتاه الله فهما وعلما ونورا فأدرك حقيقة ذلك، كما يدرك العارفون بالله حقائق أشياء كثيرة من عالم الغيب والشهادة قد عجز عن إدراكها أكثر الخلق، فلا ينبغي الإسراع إلى الإنكار عليه، ولا التشنيع عليه; إذ لم يدع محالا، فالأولى التسليم له، سيما إن كان [ ص: 170 ] من أئمة الهدى ورؤساء السنة، كإمام الحرمين، أو ممن ظهرت ديانته، وثبتت في علوم الشرع مشاركته، ولم يرم ببدعة، ولم ينبذ بسوء اعتقاد، كشيخنا الغوث صفي الدين القشاشي، وإن كان لا بد من التعقب والنقد والنظر في كلام من هذه صفته فلينظر بعين الإنصاف وسداد الرأي إلى كلامه; فإن فهمه الناظر حق الفهم بسبره بالمعيار المتقدم من عرضه على آراء أهل الضلالة، فإن وافق أحد الجانبين الباطلين كل الموافقة حتى صار هو هو، فهو جدير بأن يلغى ويترك وتوكل سريرة قائله إلى الله تعالى; لاحتمال أن عبارته لم توف بما في ضميره; لعلمنا بأنه من أهل السنة، وإن لم يوافق أحد الجانبين المحكوم ببطلانهما، إلا أنه على خلاف ما كنا نعتقده نحن ونتوهمه ونفهمه من كلام الغير فلا ينبغي أن نحكم ببطلانه لأجل مخالفته لكلام الغير من الأئمة; لأن الحق في المسألة ليس منحصرا في شيء بعينه يدركه كل أحد، فيحتمل أن هذا القائل قد عثر على الحق، أو على جانب منه; إذ ليس فيه أمارة الباطل ودليله، وأما إن كان الناظر في كلام أحد من الأئمة المتقدم ذكرهم لم يفهمه كل الفهم، ولم يحط علما بمقاصده، والتبست عليه المذاهب في تحقيق مقالته، وهذا وصف غالب من ابتلي بالاعتراض على المشايخ، فما أجدر هذا بأن يمسك عن الخوض في ذلك! لأن الحكم على الشيء بالصحة والفساد فرع تصوره، وهذا لم يتصور شيئا من معتقد هذا الإمام حتى يحكم برده أو إمضائه، فليحرر هذا المسكين معتقد نفسه على مذهب أهل السنة والحق، وليجتهد قدر طاقته في تنزيهه من مذاهب أهل الباطل، وفي موافقة أهل الحق قدر وسعه، وليترك ما وراء ذلك لأهله، فإن خاض فيه فقد عرض نفسه لما لا قبل له به، وقد ابتلي أقوام من المترسمة من أهل عصرنا بالتشنيع على شيخنا صفي الدين، وتبديعه وتضليله، وقالوا: إنه يقول بتأثير القدرة الحادثة، وخالف الشيخ السنوسي وغيره من المشايخ، ورد عليهم، فإذا طولبوا بتحقيق ما ردوه عليه عجزوا، فإذا قيل لهم: ما معنى التأثير الذي نسبه للقدرة الحادثة؟ وما معنى التأثير الذي نفيتموه أنتم مع تسميتكم لها قدرة؟ لم يأتوا من الجواب إلا بجعجعة ليس لها طحين، وهمهمة ليس معها تبيين، مع أن الشيخ رضي الله عنه مصرح بعدم تسميته وصف العبد قدرة إلا على وجه مجاز; إذ لا يعقل من معنى القدرة -إذا أطلقت- إلا وصف له تأثير، فإن سمينا وصف العبد الذي له نسبة في وجود الفعل جعلها الله له قدرة مجازا، فلنسم تلك النسبة التي جعلها الله في وجود الفعل أيضا تأثيرا مجازا، وإن قلنا: لا تأثير لقدرته; نعني حقيقة، فلنقل: لا قدرة له أيضا حقيقة، وإنما هي قدرة واحدة قديمة إلهية، ذات نسبتين: نسبة وجودها، وقيامها بذات المولى جل جلاله أزلا وأبدا، فتنسب إليها الأفعال حقيقة على جهة الخلق والاختراع والاستقلال بها على وفق الإرادة القديمة، ونسبة ظهورها في محل العبد، وتجليها فيه، كما هو شأن سائر الصفات في تجليها; إذ قدرة العبد من قدرة سيده، وحوله بحوله، وقوته بقوته، كما أفصح بذلك لا حول ولا قوة إلا بالله، الذي هو كنز من كنوز الجنة; فتنسب إليها الأفعال بهذا المعنى على جهة الكسب والإضافة، وينسب إلى ذلك الكسب تأثير يناسب على وجه المجاز; لكونه محلا لظهور الأثر; فإن المجاز عند العرب إذا تجوز في حقيقة من الحقائق تجوز فيها مع عوارضها المشخصة التي لا تثبت الحقيقة ولا توجد إلا بها، فإذا تجوز في إطلاق السبع على المنية تجوز في الحقيقة السبعية مع عوارضها وصفاتها التي لا تكمل السبعية إلا بها، مثل الأظفار، والجراءة العظيمة، والاغتيال بالقهر، وجعلت تلك الأوصاف كلها مجازا للمنية، كما كانت للسبع حقيقة، وإلا لما صح التجوز، فلو قيل مثلا: المنية سبع لا ناب لها ولا ظفر ولا جراءة ولا اغتيال; لقبح ذلك كل القبح عند كل ذي ذوق سليم، فكذلك يقال في الكسب، الذي هو وصف العبد مع القدرة، فإن سمينا وصف العبد قدرة; لكونه له نسبة جعلية في وجود الفعل، كما أن القدرة نسبة ذاتية في ذلك، فلنجعل لذلك الكسب الذي سميناه قدرة تأثيرا مجازيا يناسبه، وإلا بطل تسميته قدرة، كما بطل تسمية المنية سبعا من غير إثبات أوصاف السبع لها، ولأجل هذا - مع تنزيه أوصاف الحق تعالى أن ينسب شيء منها إلى العبد- تحاشى الأقدمون من [ ص: 171 ] أهل السنة والسلف الصالح عن تسمية وصف العبد قدرة، فلا تكاد تسمع في مؤلفاتهم إلا الكسب حتى تجاسر على إطلاق القدرة المتأخرون، ورأوا أن لا فرق بينه وبين القدرة، ولم يتجاسروا على إطلاق التأثير على نسبته إلى الفاعل تباعدا عن قول القدرية بخلق العبد أفعاله، فقالوا: قدرة لا تأثير لها. فأثبتوا للعبد قدرة; فرارا من قول الجبرية، وقالوا: لا تأثير لها; فرارا من قول القدرية، ولعمري إنها لعبارة حسنة في بادئ الرأي، متوسطة بين قولي الإفراط والتفريط، وإنها إذا حكت على معيار التحقيق وطولب صاحبها كل المطالبة، أدت إلى شيء لا يدرك له صاحبه معنى، ولا يجد له مفهوما .

ثم قال: ولقد تكلمت مع بعض من زعم أنه ألف في الرد عليه، فقال لي: إني حرت في كلام هذا الرجل، فبينما أنا أقول: هو قدري محض; لما يظهر من كلامه، إذ رجع رأيي فيه إلى أنه جبري محض، فلا أدري من أي الجهتين هو، وقد حرت في أمره .

قلت: شهدت له ورب الكعبة بالسنية وأنت لا تشعر; لأن أقوى دليل على كون معتقد العبد موافقا للسنة في هذه المسألة كونه ليس مع أحد الجانبين، ودليل كونه في غاية التوسط، الذي هو غاية التحقيق كذلك، كلما اعتبرته مع أحد الطرفين ظننته أقرب إليه من الآخر، كقطب الرحى ومركزها; فعلامة توسطه أنك كلما اعتبرته مع قطر من أقطارها ظننته أقرب إليه من الآخر، وهكذا كلام هذا العارف إذا سمعت قوله: لقدرة العبد تأثير .

قلت: هذا قريب من مذهب القدرية. وإذا سمعت قوله: إنما هي قدرة واحدة، ولا قدرة للعبد أصلا، إنما يظهر من أثر قدرة الحق في محله .

قلت: هذا قريب من مذهب الجبرية. وهذا لعمري غاية التحقيق لمن علمه. اهـ. وقد أطال فيه جدا، واقتصرت منه على قدر الحاجة، وإن كان كله حسنا .



(تكميل)

في بيان إبطال التولد، قال ابن التلمساني في شرح لمع الأدلة: ولما زعمت المعتزلة أن العبد خالق لفعله، ومستقل به، وكان من حكم القدرة الحادثة ألا تؤثر مباشرة إلا في محلها، وقد نسبت إلى العبد أفعال خارجة عن محل قدرته، كالحرق، والخرق، والقطع.. وغير ذلك، وترتب عليه المدح والذم والثواب والعقاب، قالوا: هو مقدور للعبد بواسطة القدرة على سببه، وسموه متولدا، كحركة الخاتم عند تحريك الأصبع; فالسبب والمسبب مقدور معا للعبد عندهم، إلا أن أحدهما مباشر، والآخر بالتوسط، ثم عدد المتولدات أربعة أنواع، المتفق عليه منها: الوهي المولد للآلام، والنظر المولد للعلم، والتقريب على وجه مخصوص، كتقريب الشمع من النار، واختلفوا في الرابع، وهو الموجب لهوى الثقيل، هل هو الاعتماد أو الحركة؟ فزعم أبو هاشم أن الموجب هو الاعتماد، وزعم الجبائي أن الموجب هو الحركة، وهذا المذهب هو عين مذهب أرباب الطبائع، فإن السبب عندهم يوجب أثره، إلا أن يمنعه مانع .

والمعتزلة تزعم أن السبب المولد يقتضي أثره، إلا أن يمنع منه مانع، ولم يعطوه حكم العلة العقلية; فإنه لا يصح تأخر مقتضاها عنها، وإذا ثبت أن الله خالق كل شيء بطل التولد; فإنهم إنما أثبتوه من آثار القدرة الحادثة، أما قادرية القديم سبحانه فنسبتها إلى جميع ما يحصل بها نسبة واحدة; فإنه تعالى لا يفعل إلا خارج ذاته، ونقل في الشامل الاتفاق من المعتزلة على أن التولد عندهم فعل فاعل السبب، ونوقش في دعوى الإجماع، فهم مع قول النظام: إن من المولدات ما يضاف إلى الله تعالى، لا على أنها فعله، ولكنه خلق سببها، وهي تقتضي لذاتها أثرها، ونقل عن حفص الفرد منهم أن ما يقع مباينا بمحل القدرة على قدر اختيار المتسبب فهو فعل لفاعل السبب، كالقطع والعضد، وما لا يقف على قدر اختياره، كالهوى عند الدفع للحجر، فليس من فعله، واختلفوا في وقت تعلق القدرة بالمولد، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يزال مقدورا إلى حين وقوع سببه، فيجب حينئذ به، وينقطع أثر القدرة عنه، ومنهم من قال: إنما ينقطع أثر القدرة إذا وقع، وأما وجود سببه فلا يمنع كونه مقدورا .

واتفق جمهورهم على أن الألوان والطعوم لا تقع مولدة، وذهب ثمامة إلى أن الحوادث التي حكموا بأنها مولدة حادثة ولا فاعل لها البتة، وهذا يقدح في دلالة وجود الصانع، واتفقوا على أن المولدات كلها خارجة عن محل القدرة، إلا النظر; فإنه يولد العلم بالذات، ومما تمسك به أهل السنة في [ ص: 172 ] إبطال التولد أن قالوا: هذه الأفعال المحكوم عليها بأنها متولدة لا تخلو إما أن تكون مقدورة لفاعل السبب، أو غير مقدورة له، والقسمان باطلان; فالقول بالتولد باطل، أما الحصر فضروري، وأما إبطال أنها مقدورة لفاعل السبب فلأن الأثر عندهم واجب عند وجود سببه، فلو كان مقدور اللزم وقوع أثر بين مؤثرين، وأنه محال، وأما إن كان غير مقدور له فإما أن يكون لها فاعل غيره، أو لا، الأول تسليم المسألة، والثاني يقدح في دلالة احتياج الصنع إلى الصانع، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية