وإنما فهذه مقامات الإيمان في حيات القبر وعقاربه وفي سائر أنواع عذابه رأى تكثر الحيات والعقارب في قبور الأغنياء الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وفرحوا بها واطمأنوا إليها ابنا له قد مات في المنام فقال له : يا بني عظني ، قال : لا تخالف الله تعالى فيما يريد قال : يا بني زدني قال : يا أبت لا تطيق قال : قل : قال : لا تجعل بينك وبين الله قميصا فما لبس قميصا ثلاثين سنة . أبو سعيد الخدري
فإن قلت : فما الصحيح من هذه المقامات الثلاث فاعلم ؟ أن في الناس من لم يثبت إلا الأول وأنكر ما بعده ، ومنهم من أنكر الأول وأثبت الثاني ، ومنهم من لم يثبت إلا الثالث ، وإنما الحق الذي انكشف لنا بطريق الاستبصار أن كل ذلك في حيز الإمكان وأن من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته وجهله باتساع قدرة الله سبحانه وعجائب تدبيره فينكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ويألفه ، وذلك جهل وقصور بل هذه الطرق الثلاثة في التعذيب ممكنة والتصديق بها واجب ورب عبد يعاقب بنوع واحد من هذه الأنواع ورب عبد تجمع عليه هذه الأنواع الثلاثة نعوذ بالله من عذاب الله قليله وكثيره .
هذا هو الحق فصدق به تقليدا فيعز على بسيط الأرض من يعرف ذلك تحقيقا والذي أوصيك به أن لا تكثر نظرك في تفصيل ذلك ولا تشتغل بمعرفته بل اشتغل بالتدبير في دفع العذاب كيفما كان فإن أهملت العمل والعبادة واشتغلت بالبحث عن ذلك كنت كمن أخذه سلطان وحبسه ليقطع يده ويجدع أنفه فأخذ طول الليل يتفكر في أنه هل يقطعه بسكين أو بسيف أو بموسى وأهمل طريق الحيلة في دفع أصل العذاب عن نفسه وهذا غاية الجهل فقد علم على القطع أن فينبغي أن يكون الاستعداد له فأما البحث عن تفصيل العقاب والثواب ففضول وتضييع زمان . العبد لا يخلو بعد الموت من عذاب عظيم أو نعيم مقيم