صفة أرض المحشر وأهله .
ثم انظر كيف يساقون بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلا إلى أرض المحشر أرض بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ولا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه زمرا فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة ، والراجفة هي النفخة الأولى والرادفة هي النفخة الثانية وحقيق لتلك القلوب أن تكون يومئذ واجفة ولتلك الأبصار أن تكون خاشعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص النقي ليس فيها معلم لأحد .
قال الراوي والعفرة بياض ليس بالناصع والنقي هو النقي عن القشر والنخالة ومعلم أي لا بناء : يستر ولا تفاوت يرد البصر .
ولا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا بل لا تساويها إلا في الاسم قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
قال يزداد فيها وينقص وتذهب أشجارها وجبالها وأوديتها وما فيها وتمد مد الأديم العكاظي أرض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة ، والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها فانظر يا مسكين في هول ذلك اليوم وشدته ، فإنه إذا اجتمع الخلائق على هذا الصعيد تناثرت من فوقهم نجوم السماء وطمس الشمس والقمر وأظلمت الأرض لخمود سراجها فبينما هم كذلك إذ دارت السماء من فوق رءوسهم وانشقت مع غلظها وشدتها خمسمائة عام والملائكة قيام على حافاتها وأرجائها فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ويا هيبة ليوم تنشق فيه السماء مع صلابتها وشدتها ، ثم تنهار وتسيل كالفضة المذابة تخالطها صفرة فصارت وردة كالدهان وصارت السماء كالمهل وصارت الجبال كالعهن واشتبك الناس كالفراش المبثوث وهم حفاة عراة مشاة ، ابن عباس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان . زوج النبي صلى الله عليه وسلم راوية الحديث قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ! ينظر بعضنا إلى بعض ؟! فقال شغل الناس عن ذلك بهم ! سودة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه فأعظم بيوم تنكشف فيه العورات ويؤمن فيه مع ذلك النظر والالتفات كيف وبعضهم يمشون على بطونهم ووجوههم فلا قدرة لهم على الالتفات إلى غيرهم ، قال رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة فقال : رجل يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم ؟ قال الذي : أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف : ركبانا ، ومشاة ، وعلى وجوههم ،
في طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به ، ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل والمشي ، بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك ، فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا ، فإنك لو لم تكن قد شاهدت عجائب الدنيا ، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها فأحضر في قلبك صورتك وأنت واقف عاريا مكشوفا ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظرا لما يجري عليك من القضاء بالسعادة أو بالشقاوة ، وأعظم هذه الحال فإنها عظيمة .