فتوهم نفسك يا مسكين وقد أخذت الملائكة بعضديك وأنت واقف بين يدي الله تعالى يسألك شفاها فيقول لك : ألم أنعم عليك بالشباب ففيم إذا أبليته ؟ ألم أمهل لك في العمر ففيم إذا أفنيته ؟ ألم أرزقك المال فمن أين اكتسبته وفيم إذا أنفقته ؟ ألم أكرمك بالعلم فماذا عملت فيما علمت ؟ فكيف ترى حياءك وخجلتك وهو يعد عليك إنعامه ومعاصيك وأياديه ومساويك فإن أنكرت شهدت عليك جوارحك ، قال رضي الله عنه أنس فنعوذ بالله من الافتضاح على ملأ الخلق بشهادة الأعضاء ، إلا أن الله تعالى وعد المؤمن بأن يستر عليه ولا يطلع عليه غيره . كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم قال : أتدرون مم أضحك قلنا ؟ : الله ورسوله أعلم . قال : من مخاطبة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى قال ، فيقول فإني : لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا ، قال : فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي ، قال : فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول لأعضائه : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل
سأل رجل ، فقال له : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في : النجوى فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر فيقول : نعم ، فيقول : عملت كذا وكذا فيقول نعم ثم ؟ يقول إني سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول : عملت كذا وكذا ؟ من ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته يوم القيامة فهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ، ولم يحرك لسانه بذكر مساويهم ، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه ، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة ، وهب أنه قد ستره عن غيرك أليس قد قرع سمعك النداء إلى العرض ؟! فيكفيك تلك الروعة جزاء عن ذنوبك ؛ إذ يؤخذ بناصيتك فتقاد وفؤادك مضطرب ولبك طائر وفرائصك مرتعدة وجوارحك مضطربة ولونك متغير والعالم عليك من شدة الهول مظلم ، فقدر نفسك وأنت بهذه الصفة تتخطى الرقاب وتخرق الصفوف وتقاد كما تقاد الفرس المجنوب وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم فتوهم نفسك أنك في أيدي الموكلين بك على هذه الصفة حتى انتهى بك إلى عرش الرحمن فرموك من أيديهم وناداك الله سبحانه وتعالى بعظيم كلامه : يا ابن آدم ادن مني فدنوت منه بقلب خافق محزون وجل وطرف خاشع ذليل وفؤاد منكسر وأعطيت كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فكم من فاحشة نسيتها فتذكرتها ، وكم من طاعة غفلت عن آفاتها فانكشف لك عن مساويها فكم ، لك من خجل وجبن ، وكم لك من حصر وعجز فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه وبأي لسان تجيب وبأي قلب تعقل ما تقول ، ثم تفكر في عظم حيائك إذا ذكرك ذنوبك شفاها إذ يقول : يا عبدي ، أما استحييت مني فبارزتني بالقبيح واستحييت من خلقي فأظهرت لهم الجميل ؟ أكنت أهون عليك من سائر عبادي أستخففت بنظري ؟ إليك فلم تكترث واستعظمت نظر غيري ؟ ألم أنعم عليك فماذا غرك بي أظننت أني لا ؟ أراك وأنك لا تلقاني .
؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا ويسأله الله رب العالمين ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان وقال ليقفن أحدكم بين يدي الله عز وجل ليس بينه وبينه حجاب ، فيقول له : ألم أنعم عليك ؟ ألم أوتك ما لا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أرسل إليك رسولا ؟ فيقول : بلى ، ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ؛ فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ابن مسعود وقال ما منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، ثم يقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ما عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ يا ابن آدم ألم أكن رقيبا على عينك وأنت تنظر بها إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيبا على أذنيك ، وهكذا حتى عد سائر أعضائه : لا تزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل : حتى يسأله عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما عمل فيه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيماذا أنفقه فأعظم يا مسكين بحيائك عند ذلك بخطرك ؛ فإنك بين أن يقال لك : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ؛ فعند ذلك يعظم سرورك وفرحك ، ويغبطك الأولون والآخرون وإما ، أن يقال للملائكة : خذوا هذا العبد السوء فغلوه ثم الجحيم صلوه ، وعند ذلك لو بكت السموات والأرض عليك لكان ذلك جديرا بعظم مصيبتك وشدة حسرتك على ما فرطت فيه من طاعة الله وعلى ما بعت آخرتك من دنيا دنيئة لم تبق معك . مجاهد