صفة الخصماء ورد المظالم .
قد عرفت هول الميزان وخطره وأن الأعين شاخصة إلى لسان الميزان فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية واعلم أنه لا ينجو من خطر الميزان إلا من ولحظاته كما قال عمر رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وإنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحا ويتدارك ما فرط من تقصيره في فرائض الله تعالى ويرد المظالم حبة بعد حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه مظلمة ولا فريضة . حاسب في الدنيا نفسه ووزن فيها بميزان الشرع أعماله وأقواله وخطراته
فهذا يدخل الجنة بغير حساب وإن وهذا يتعلق بلببه هذا يقول : ظلمتني ، وهذا يقول شتمتني ، وهذا يقول : استهزأت بي ، وهذا يقول ذكرتني في : الغيبة بما يسوءني ، وهذا يقول : جاورتني فأسأت جواري وهذا يقول عاملتني فغششتني ، وهذا يقول بايعتني فغبنتني وأخفيت عني عيب سلعتك ، وهذا يقول : كذبت في سعر متاعك ، وهذا يقول رأيتني : محتاجا وكنت غنيا فما أطعمتني ، وهذا يقول : وجدتني مظلوما وكنت قادرا على دفع الظلم عني فداهنت الظالم وما راعيتني ، فبينا أنت كذلك وقد أنشب الخصماء فيك مخالبهم وأحكموا في تلابيبك أيديهم وأنت مبهوت متحير من كثرتهم حتى لم يبق في عمرك أحد عاملته على درهم أو جالسته في مجلس إلا وقد استحق عليك مظلمة بغيبة أو خيانة أو نظر بعين استحقار ، وقد ضعفت عن مقاومتهم ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعله يخلصك من أيديهم ؛ إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله : مات قبل رد المظالم أحاط به خصماؤه ، فهذا يأخذ بيده وهذا يقبض على ناصيته اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم فعند ذلك ينخلع قلبك من الهيبة وتوقن نفسك بالبوار وتتذكر ما أنذرك الله تعالى على لسان رسوله حيث قال : ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس
فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم ، وما أشد حسراتك في ذلك اليوم إذا وقف ربك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السياسة وأنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقا أو تظهر عذرا فعند ذلك تؤخذ حسناتك التي تعبت فيها عمرك وتنقل إلى خصمائك عوضا عن حقوقهم .
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة ويأتي ، وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن ، فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة فانظر إلى مصيبتك في مثل هذا اليوم ؛ إذ ليس يسلم لك حسنة من آفات الرياء ومكايد الشيطان ، فإن سلمت حسنة واحدة في كل مدة طويلة ابتدرها خصماؤك وأخذوها ، ولعلك لو حاسبت نفسك وأنت مواظب على صيام النهار وقيام الليل لعلمت أنه لا ينقضي عنك يوم إلا ويجري على لسانك من غيبة المسلمين ما يستوفي جميع حسناتك ، فكيف ببقية السيئات من أكل الحرام والشبهات والتقصير في الطاعات ؟! وكيف ترجو الخلاص من المظالم في يوم يقتص فيه للجماء من القرناء فقد روى هل تدرون من المفلس ؟ قلنا : المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا دينار ولا متاع قال : أبو ذر أتدري ، فيم ينتطحان ؟ قلت : لا ، قال : ولكن الله يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة أبا ذر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين ينتطحان ، فقال : يا