ثم تفكر بعد هذا كله في فإن الله تعالى يزيد في أجسامهم طولا وعرضا ; حتى يتزايد عذابهم بسببه ، فيحسون بلفح النار ، ولدغ العقارب ، والحيات من جميع أجزائها ، دفعة واحدة على التوالي . قال تعظيم أجسام أهل النار ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة وغلظ جلده مسيرة ثلاث وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضرس الكافر في النار مثل أحد شفته السفلى ساقطة على صدره ، والعليا قالصة قد غطت وجهه .
وقال عليه السلام : يتواطؤه الناس الكافر ليجر لسانه في سجين يوم القيامة ومع عظم الأجسام كذلك تحرقهم النار مرات ، فتجدد جلودهم ولحومهم . قال الحسن في قوله تعالى إن كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة ، كلما أكلتهم ، قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا .
ثم تفكر الآن في بكاء أهل النار وشهيقهم ودعائهم ، بالويل والثبور فإن ذلك يسلط عليهم في أول إلقائهم في النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك
وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس وما دام يؤذن لهم في البكاء ، والشهيق ، والزفير ، والدعوة بالويل والثبور ، فلهم فيه مستروح ولكنهم يمنعون أيضا من ذلك ، قال محمد بن كعب يرسل على أهل النار البكاء ، فيبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم يبكون الدم حتى يرى في وجوههم كهيئة الأخدود ، لو أرسلت فيها السفن لجرت فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا ، يقولون : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة ، ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل فيقول الله تعالى مجيبا لهم : ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ثم يقولون : ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل فيجيبهم الله تعالى : أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال فيقولون : ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل به فيجيبهم الله تعالى : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ثم يقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيجيبهم الله تعالى اخسئوا فيها ولا تكلمون فلا يتكلمون بعدها أبدا ، وذلك غاية شدة العذاب قال رضي الله عنه قال زيد بن أسلم في مالك بن أنس سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص قال : صبروا مائة سنة ، ثم جزعوا مائة سنة ، ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا : قوله تعالى : سواء علينا أجزعنا أم صبرنا وقال صلى الله عليه وسلم : وعن يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيذبح بين الجنة والنار ، ويقال : يا أهل الجنة خلود بلا ، موت ، ويا أهل النار خلود بلا ، موت الحسن قال : يخرج من النار رجل بعد ألف عام ، وليتني كنت ذلك الرجل ورئي الحسن رضي الله عنه جالسا في زاوية وهو يبكي ، فقيل له لم تبكي : فقال : أخشى أن يطرحني في النار ولا يبالي فهذه على الجملة ، وتفصيل عمومها وأجزائها ، ومحنها ، وحسرتها ، لا نهاية له فأعظم الأمور عليهم مع ما يلاقونه من شدة العذاب حسرة فوت نعيم الجنة ، وفوت لقاء الله تعالى ، وفوت رضاه مع علمهم بأنهم باعوا كل ذلك بثمن بخس دراهم ، معدودة ; إذ لم يبيعوا ذلك إلا بشهوات حقيرة في الدنيا ، أياما قصيرة ، وكانت غير صافية ، بل كانت مكدرة منغصة فيقولون في أنفسهم : واحسرتاه ، كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا ؟! وكيف لم نكلف أنفسنا الصبر أياما قلائل ؟! ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنا أيامه ، وبقينا الآن في جوار رب العالمين ، متنعمين بالرضا ، والرضوان فيا لحسرة ، هؤلاء ، وقد فاتهم ، وبلوا بما بلوا به ، ولم يبق معهم شيء من نعيم الدنيا ولذاتها ثم إنهم لو لم يشاهدوا نعيم الجنة لم تعظم حسرتهم ، لكنها تعرض عليهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى : أصناف عذاب جهنم واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها ، وإلى ما أعد الله لأهلها فيها ، نودوا أن اصرفوهم عنها ، لا نصيب لهم فيها ، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها ، فيقولون : يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك ، وما أعددت فيها لأوليائك ، كان أهون علينا ، فيقول الله تعالى : ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس ، بخلاف ما تعطوني من قلوبكم ، هبتم الناس ولم تهابوني ، وأجللتم الناس ، ولم تجلوني ، وتركتم للناس ، ولم تتركوا لي ، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتكم من الثواب المقيم وقال أحمد بن حرب إن أحدنا يؤثر الظل على الشمس ، ثم لا يؤثر الجنة على النار . يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة ، حتى إذا دنوا منها
وقال عيسى عليه السلام : كم من جسد صحيح ، ووجه صبيح ، ولسان فصيح ، غدا بين أطباق النار يصيح .
وقال داود إلهي ، لا صبر لي على حر شمسك ، فكيف صبري على حر نارك ، ولا صبر لي على صوت رحمتك فكيف على صوت عذابك .
فانظر يا مسكين في هذه الأهوال ، واعلم أن وأن ، هذا أمر قد قضي وفرغ منه قال الله تعالى : الله تعالى خلق النار بأهوالها ، وخلق لها أهلا لا يزيدون ولا ينقصون وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون .
ولعمري الإشارة به إلى يوم القيامة بل في أزل الأزل ولكن أظهر يوم القيامة ما سبق به القضاء فالعجب ، منك حيث تضحك ، وتلهو ، وتشتغل بمحقرات الدنيا ، ولست تدري أن القضاء بماذا سبق في حقك .
فإن قلت : فليت شعري ماذا موردي ؟ وإلى ماذا مآلي ومرجعي ؟ وما الذي سبق به القضاء في حقي ؟ فلك علامة تستأنس بها ، وتصدق رجاءك بسببها ، وهو أن تنظر إلى أحوالك ، وأعمالك ، فإن كلا ميسر لما خلق له فإن كان قد يسر لك سبيل الخير فأبشر ، فإنك مبعد عن النار ، وإن كنت لا تقصد خيرا إلا وتحيط بك العوائق فتدفعه ولا تقصد شرا إلا ويتيسر لك أسبابه ، فاعلم أنك مقضي عليك فإن دلالة هذا على العاقبة ، كدلالة المطر على النبات ، ودلالة الدخان على النار .
فقد قال الله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم فاعرض نفسك على الآيتين وقد عرفت مستقرك من الدارين والله أعلم .