الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وإنطاق العجماء .

التالي السابق


(وإنطاق العجماء) ، كذا في سائر نسخ الكتاب، وفي لمع الأدلة لشيخه إمام الحرمين: "ونطق العجماء"، والنطق إبراز الكلام بالصوت، و"أنطقه": جعله ناطقا، وللمصنف في كتاب المعارف الإلهية تحقيق في النطق غريب أعرضنا عن إيراده هنا; لعدم مناسبته، وغاية ما يحتاج هنا معرفة معنى النطق لغة، والإنطاق، وقد ذكرناهما، والعجماء: تأنيث الأعجم، من العجمة، بالضم، وهي: اللكنة في اللسان، وعدم الإفصاح، والمراد هنا الحيوانات، ومنه الحديث: "العجماء جبار"، قال العراقي: وأخرج أحمد والبيهقي بإسناد صحيح من حديث يعلى بن مرة في البعير الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أهله، وقد ورد في كلام الضب والظبية والذئب والحمرة أحاديث رواها البيهقي في الدلائل. اهـ .

قلت:

[ ص: 206 ] وسياق حديث يعلى بن مرة الثقفي على ما أورده البغوي في شرح السنة هكذا: بينا نحن نسير مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر بنا بعير يسنى عليه، فلما رآه البعير جرجر، فوضع جرانه، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أين صاحب البعير؟"، فجاءه، فقال: "بعنيه"، فقال: بلى، نهبه لك يا رسول الله، وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره. فقال: "أما ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف، فأحسنوا إليه" .

وروى الإمام أحمد قصة أخرى بنحو ما تقدم من حديثه، وسنده ضعيف، وأخرج ابن شاهين في الدلائل عن عبدالله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فدخل حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن، فذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراته، فسكن، ثم قال: "من رب هذا الجمل؟"، فجاء فتى من الأنصار، وقال: هذا لي يا رسول الله. فقال: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه؟!". وهو حديث صحيح، ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن مهدي بن ميمون.

وروى أحمد والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وإنه استصعب عليهم، فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش النخل والزرع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا". فقاموا، فدخل الحائط والجمل في ناحية، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب الكلب، وإنا نخاف عليك صولته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس علي منه بأس"، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كان قط، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله، هذه بهيمة لا تعقل، تسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها".

وأما كلام الضب فحديثه مشهور، رواه البيهقي من طرق كثيرة، وهو غريب ضعيف، قال المزني: لا يصح إسنادا ولا متنا. وذكره القاضي عياض في الشفاء، وقد روي من حديث ابن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا، جعله في كمه; ليذهب به إلى رحله، فيشويه ويأكله، فلما رأى الجماعة قال: من هذا؟ قالوا: نبي الله. فأخرج الضب من كمه، وقال: واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب. وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ضب". فأجابه بلسان يسمعه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة. قال: "من تعبد؟". قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه. قال: "فمن أنا؟". قال: رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدقك، وخاب من كذبك. فأسلم الأعرابي.. الحديث بطوله، وهو مطعون فيه .

وقيل: إنه موضوع، لكن معجزاته صلى الله عليه وسلم فيها ما هو أبلغ من هذا، وليس فيه ما ينكر شرعا، خصوصا وقد رواه الأئمة، فنهايته الضعف، لا الوضع .

وأما حديث الظبية فأخرجه البيهقي من طرق، وضعفه جماعة من الأئمة، وذكره عياض في الشفاء، ورواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد فيه مجاهيل عن حبيب بن محصن عن أم سلمة.. الحديث بطوله، وفيه قالت: يا رسول الله، صادني هذا الأعرابي ولي خشفان في ذلك الجبل، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع.. إلخ، ورواه الطبراني بنحوه، والمنذري في الترغيب والترهيب، من باب الزكاة، وقال الحافظ ابن كثير: إنه لا أصل له. وقال الحافظ السخاوي: لكنه ورد في الجملة عدة أحاديث يقوي بعضها بعضا، أوردها الحافظ ابن حجر في المجلس الحادي والستين من تخريج أحاديث المختصر .

وأما قصة تكليم الذئب وشهادته فرويت من عدة طرق، أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد بإسناد جيد، وأخرجه أبو سعيد الماليني والبيهقي من حديث ابن عمر، وأبو نعيم في الدلائل من حديث أنس، وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح، والبغوي في شرح السنة، وسعيد بن منصور في سنته من حديث أبي هريرة، [ ص: 207 ] وألفاظ الكل مختلفة، ورواه عياض في الشفاء، وهي قصة أخرى .

ويلحق بذلك سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه، في دلائل النبوة، بإسناد ضعيف، وهو في الشفاء، ومما يلحق بإنطاق العجماء كلام الحمار بخيبر، الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفورا، وكان اسمه من قبله يزيد بن شهاب، أخرجه ابن عساكر عن أبي منصور، والقصة مشهورة، ورواه أبو نعيم بنحوه من حديث معاذ بن جبل، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات .




الخدمات العلمية