الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة .

فإن قلت فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فإذا ، كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان فأقول : السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما الشأن في فهمه وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هو مزيد عليه يزيد به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته ، فلا يجوز أن يقال : الإنسان يزيد برأسه بل يقال : يزيد بلحيته وسمته ولا يجوز أن يقال : الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود .

التالي السابق


(مسألة) * ثانية من المسائل الثلاث في بيان زيادة الإيمان، ونقصانه، واختلاف الأقوال فيه .

(فإن قلت فقد اتفق السلف) رحمهم الله تعالى (على أن الإيمان يزيد وينقص) وفسروه بأنه (يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإن كان التصديق هو الإيمان) ، والإيمان هو التصديق ولا يتزايد في نفسه (فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان) ، أي لا يزيد بانضمام الطاعات إليه، ولا ينقص بارتكاب المعاصي، إذ التصديق في الحالين على ما قبلهما، وهذا مخالف لما ذهب إليه السلف، فكيف التطبيق بين القولين، ثم إن المراد بالسلف هنا القائلين بزيادته، ونقصه جماعة من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، ومعاذ، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وعمار، وأبو هريرة، وحذيفة، وعائشة رضي الله عنهم، ومن التابعين: كعب الأحبار، وعروة، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، ومن الأئمة: الشافعي، وأحمد وإسحاق، كما رواه اللالكائي في كتاب السنة، وإليه ذهب البخاري، فقال في أول كتاب الإيمان: وهو قول وعمل يزيد، وينقص، بل روي عنه بسند صحيح أنه قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدا يختلف فيه، وبه قال عامة الأشاعرة، ومن المتكلمين أهل النظر، والفقهاء والصوفية، وقال أبو حنيفة، وأصحابه لا يزيد الإيمان، ولا ينقص، واختاره أبو منصور الماتريدي، ومن الأشاعرة إمام الحرمين، وجمع كثير، وتوقف مالك عن القول بنقصانه هذا هو المشهور من مذهبه، على أنه اختلف قوله، كما في رواية العتبية على الاحتمالات الثلاث، ورأيت في الأسماء والصفات لأبي منصور البغدادي، نقل عن الأشعري في مقالاته عن أبي حنيفة، ما نصه: وقال إن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل الناس فيه .

وحكى غسان وجماعة من أصحاب أبي حنيفة، عنه أنه يزيد ولا ينقص اهـ. نص مقالات الأشعري، وهذا الذي حكاه غسان وجماعة عنه هو بعينه قول مالك، ولكن لم يشتهر في المذهب، وقد شرع المصنف في تحقيق هذه المسألة حيث قال: (فأقول: السلف) الصالحون (هم المشهود العدول) لأخبار وردت في ذلك، منها: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم"، وقد أثنى عليهم الله سبحانه في مواضع من كتابه العزيز، ومنها: قوله " رضي الله عنهم، ورضوا عنه "، ومنها: " اتبعوهم بإحسان "، (وما لأحد) ممن بعدهم (عن قولهم) الذي قالوه، ورأيهم الذي رأوه (عدول) أصلا، وبين العدول، والعدول جناس تام (فما ذكروه) ، وذهبوا إليه (حق) ثابت لا ينكره، (وإنما الشأن في فهمه) ، أي فهم ما قالوه، وحمله على أحسن محامله، ولذا قال الفخر الرازي: الخلاف مبني على أخذ الطاعات في مفهوم الإيمان، وعدمه فعلى الأول: إن كان على وجه الركنية، كما نقل عن الخوارج، أو على وجه التكميل، كما نقل عن المحدثين، يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها .

وعلى الثاني لا لأنه اسم للتصديق الجازم، مع الإذعان، وهذا لا يتغير بضم الطاعات، ولا المعاصي، وسيأتي البحث فيه، (وفيه دليل على أن العمل) بالجوارح (ليس من أجزاء الإيمان) التي تتركب منها ماهيته، (و) لا من (إركاب) وجوده بحيث لا يوجد، ولا يتحقق إلا به، كما هو شأن الركنية، (بل هو مزيد عليه ويزيد به) إذا وجد معه وينقص إذا انعدم (والزائد [ ص: 257 ] موجود والناقص موجود) ، وهو العمل، (و) لا يخفى (أن الشيء لا يزيد بذاته، فلا يجوز أن يقال: الإنسان يزيد برأسه) لأنه جزؤه الذي تتم به إنسانيته، (بل يقال: يزيد بلحيته) بكسر اللام الشعر النازل على الذقن، والجمع لحى، مثل: سدرة وسدر، (وسمته) وهو السكينة والوقار، (ولا يجوز أن يقال: الصلاة تزيد بالركوع والسجود) فإنهما من صلب الصلاة كما يعرف من حدها الشرعي ذات ركوع وسجود، (بل تزيد بالآداب والسنن) ، الواردة في السنة .

وقال المصنف في المنقذ من الضلال: وكما أن في الأدوية أصولا هي أركانها، وزوائد هي متمماتها لكل واحد منها خصوص تأثير في أعمال أصولها، كذلك السنن، والنوافل لتكميلات آثار أركان العبادات، (فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود) في حد ذاته .




الخدمات العلمية