الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الخامس والعشرون : الحكمة في قطع عمر الشجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير ، فلو سبقت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما أفضى بهم أن لها قوة نفع وضر كما نراه الآن شاهدا فيما دونها ، وإلى ذلك أشار عمر بقوله : «كانت رحمة من الله» ، أي كان إخفاؤها بعد ذلك رحمة من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون معنى قوله «رحمة من الله» أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لإنزاله الرضى على المؤمنين عندها . وقول المسيب والد سعيد أنسيناها ، وفي لفظ نسيناها ، أي نسينا موضعها بدليل قوله :

                                                                                                                                                                                                                              فلم نقدر عليها .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية عند الإسماعيلي فعمي علينا مكانها . وقول المسيب وابن عمر : إنهما لم يعلما مكانها ، لا يدل على عدم معرفتها أصلا ، فقد قال جابر كما في الصحيح : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها ، قبل أن يقطعها عمر - رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                              السادس والعشرون : جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بأن مدة الصلح عشر سنين ، ورواه الحاكم عن علي - رضي الله عنه - ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنها كانت سنتين ، وكذا وقع عند ابن عقبة ، ويجمع بأن الذي قاله ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم ، والأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين ، فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              السابع والعشرون : الذي كتب كتاب الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل ، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - ، وعمر بن شبة من حديث سلمة بن الأكوع ، وإسحاق بن راهويه عن الزهيري . وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال : الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة ، ويجمع بأن أصل كتاب الصلح ، بخط علي - رضي الله عنه - كما في الصحيح ، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو ، وقال الحافظ : ومن الأوهام ما ذكر [ ص: 77 ]

                                                                                                                                                                                                                              عمر بن شبة بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق ، ثم روى من طريق آخر أن اسم الكاتب محمد بن مسلمة ، ثم قال : حدثنا يزيد بن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال : كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا ، وهو الذي كتب الصحيفة فشلت يده فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هشاما .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وهو غلط فاحش ، فإن الصحيفة التي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب ، وذلك بمكة قبل الهجرة - أي كما سبق ، فتوهم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت بالحديبية ، وليست كذلك ، بل بينهما نحو عشر سنين .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن والعشرون : وقع في بعض طرق حديث البراء بعد أن ذكر امتناع علي - رضي الله عنه - من محو «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم» فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» إلى آخره ، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع والعشرون : امتناع علي - رضي الله عنه - من محو لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم» من باب الأدب المستحب ، لأنه لم يفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تحتيم محو علي بنفسه ، ولهذا لم ينكر عليه ، ولو تحتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ، ولما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على المخالفة . وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «فإن لك مثلها - تعظيما - وأنت مضطهد» : أي مقهور ، معجزة ظاهرة لما وقع لعلي - رضي الله عنه - في التحكيم كما سيأتي في ترجمته .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية