الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه ، وكان فيه خمسمائة مقاتل ، وكان الناس قد أقاموا أياما يقاتلون ليس عندهم طعام إلا العلق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر - رضي الله عنه - : أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام ، وكان حصنا منيعا ، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من رجل يطعمنا من هذه الغنم» ؟ فقلت : أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظبي ، وفي لفظ : مثل الظليم ، فلما نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا قال : «اللهم متعنا به» فأدركت الغنم

                                                                                                                                                                                                                              - وقد دخل أولها الحصن - فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء ، حتى انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بهما فذبحتا ، ثم قسمهما ، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلا أكل منهما ، فقيل لأبي اليسر : كم كانوا ؟ قال : كانوا عددا كثيرا .


                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم ، ومحمد بن عمر - رحمه الله - عن معتب - بكسر الفوقية المشددة - الأسلمي - رضي الله عنه - واللفظ له ، قال : أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر ، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئا فيه طعام ، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة - بالحاء المهملة والثاء المثلثة ، فقالوا ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن أسلم يقرئونك السلام ، ويقولون : إنا قد جهدنا من الجوع والضعف ، فقال بريدة بن الحصيب - بضم الحاء ، وفتح الصاد المهملتين : والله إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا ، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء : والله إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الخير

                                                                                                                                                                                                                              فجاءه أسماء فقال : يا رسول الله إن أسلم تقرأ عليك السلام ، وتقول إنا قد جهدنا من الجوع والضعف ، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : [ ص: 122 ] «والله ما بيدي ما أقويهم به ، قد علمت حالهم ، وأنهم ليست لهم قوة ، ثم قال : «اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها ، أكثرها طعاما ، وأكثرها ودكا» .

                                                                                                                                                                                                                              ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - وندب الناس ، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصعب بن معاذ .

                                                                                                                                                                                                                              قالت أم مطاع الأسلمية - رضي الله عنها - لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شكوا من شدة الحال ، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فنهضوا ، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله - تعالى - وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه ، وكان عليه قتال شديد .

                                                                                                                                                                                                                              برز رجل من يهود يقال به يوشع ، يدعو إلى البراز ، فبرز له الحباب بن المنذر ، فاختلفا ضربات فقتله الحباب ، وبرز له آخر يقال له الزيال ، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري ، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول : خذها وأنا الغلام الغفاري ، فقال الناس «بطل جهاده» ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فقال : ما بأس به يؤجر ويحمد»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى بسهم فما أخطأ رجلا منهم ، وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي ، وانفرجوا ودخلوا الحصن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - أنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما لم يكونوا يظنون أنه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك .

                                                                                                                                                                                                                              ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلوا واعلفوا ولا تحملوا ، يقول : لا تخرجوا به إلى بلادكم .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية