الأول: قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: بعد مراجعة أحاديث المولد من مظانها كالطبقات لم أقف في شيء من الأحاديث مصرحا على أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد عطس، لابن سعد، والدلائل للبيهقي، ولأبي نعيم، وتاريخ على بسطه واستيعابه، وكالمستدرك ابن عساكر وإنما الحديث الذي روته للحاكم. الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف يعني السابق آخر الباب فيه لفظ يشبه التشميت. لكن لم يصرح فيه بالعطاس، والمعروف في اللغة أن الاستهلال صياح المولود أول ما يولد فإن أريد به هنا العطاس فيحتمل. وحمل القائل على الملك ظاهر.
وقال العلامة شمس الدين الجوجري رحمه الله تعالى في شرح الهمزية: الاستهلال وإن كان هو صياح المولود أول ما يولد إلا أن حمله على العطاس هنا قريب، كحمل القائل على الملك.
الثاني: جرت عادة كثير من المحبين إذا سمعوا بذكر وضعه صلى الله عليه وسلم أن يقوموا تعظيما له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها، وقال ذو المحبة الصادقة حسان زمانه أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري رحمه الله تعالى ورضي عنه في قصيدة له من ديوانه:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على فضة من خط أحسن من كتب. [ ص: 345 ] وإن ينهض الأشراف عند سماعه
قياما صفوفا أو جثيا على الركب أما الله تعظيما له كتب اسمه
على عرشه يا رتبة سمت الرتب
الثالث: اشتهر على بعض الألسنة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولدت في زمن الملك العادل. قال الحافظ إنه كذب باطل لا أصل له. وقال الشيخ الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى في اللآلئ: روى الحافظ السمعاني عن أبي بكر الحيري رحمه الله تعالى قال حكى لي شيخ من الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فقلت له: يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله الحافظ عن هذا فقال: كذب لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبو عبد الله.
وقال رحمه الله تعالى في "الشعب": هذا الحديث لا يصح وإن صح فإطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا لوصفه بالعدل والشهامة له بذلك، أو وصفه بذلك بناء على اعتقاد الفرس فيه أنه كان عادلا كما قال الله تعالى الحليمي فما أغنت عنهم آلهتهم أي ما كان عندهم آلهة ولا يجوز أن يسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلا.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى في الدرر: قال في الشعب: تكلم شيخنا البيهقي أبو عبد الله يعني الحاكم، في بطلان ما يرويه بعض الجهلة عن نبينا صلى الله عليه وسلم: "ولدت في زمن الملك العادل"
يعني كسرى أنو شروان. ثم رأى بعض الصالحين في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكى له ما قال أبو عبد الله فصدقه وقال ما قلته قط.
وقال صاحب المقاصد: وأما ما يحكى عن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى مما أورده ابن رجب في ترجمته من طبقاته أنه قال: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولدت في زمن الملك العادل كسرى"
فلا يصح لانقطاع سنده، وإن صح فلعل الناقل للحكاية لم يضبط لفظ الشيخ وإن ضبط الحكاية. والله أعلم. [ ص: 346 ]