الباب الثاني : والأربعون في غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان . سرية
روى ابن إسحاق والإمام أحمد من طريق وأبو داود محمد بن عمر ، وابن سعد رحمهم الله تعالى عن جندب بن مكيث الجهني رضي الله تعالى عنه ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي ، ليث كلب بن عوف في سرية كنت فيهم ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح بالكديد ، وهم من بني ليث . قال : فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن البرصاء [الليثي] فأخذناه فقال : إنما جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا لن يضرك رباط يوم وليلة إن كنت تريد الإسلام ، وإن يكن غير ذلك فنستوثق منك . قال : فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا منا أسود ، يقال له سويد بن منحر ، وقلنا : إن نازعك فاحترز رأسه . ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكمنا في ناحية الوادي ، وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت فيه وعلوت رأسه انبطحت- وفي رواية : فاضطجعت على بطني- قال : فوالله إني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له ، فقال لامرأته : إني أرى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه صدر يومي هذا؛ فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا .
قال : فنظرت فقالت : والله ما أفقد من أوعيتي شيئا . فقال لامرأته : ناوليني قوسي ونبلي . فناولته قوسه وسهمين معها ، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ به جنبي- ولفظ ، ابن إسحاق وابن سعد : بين عيني- قال : فانتزعته وثبت مكاني . ثم رمى بالآخر فخالطني به- ولفظ ، ابن إسحاق وابن سعد ، فوضعه في منكبي- فانتزعته فوضعته وثبت في مكاني . فقال لامرأته : والله لو كان ربيئة لقد تحرك بعد ، لقد خالطه سهمان لا أبا لك ، فإذا أصبحت فابتغيهما لا تمضغهما الكلاب .
قال : ثم دخل الخباء ، وراحت ماشية الحي من إبلهم وأغنامهم ، فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية واستقنا النعم والشاء؛ فخرجنا نحدرها قبل المدينة حتى مررنا بابن البرصاء ، فاحتملناه واحتملنا صاحبنا ، وخرج صريخ القوم في قومهم فجاءنا ما لا قبل لنا به ، فجاءنا القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي وهم موجهون إلينا؛ إذ جاء الله تعالى بالوادي من حيث شاء بماء يملأ جنبتيه ، وأيم الله ما رأينا قبل ذلك سحابا ولا مطرا ، فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه ، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندناها في المشلل [نحدرها] وفي لفظ في المسيل- وفتناهم [فوتا] لا يقدرون فيه على طلبنا ، ثم قدمن [ ص: 138 ]
المدينة ، وروى محمد بن عمر ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : كنت معهم وكنا بضعة عشر رجلا وكان شعارنا : أمت أمت .