تنبيهات :
الأول : لا يستثير صاحبه الغضب عند الأسباب المحركة ، ولا يحمله على انتقام ، وهو شعار العقلاء ، وقد كان صلى الله عليه وسلم منه بالمحل الأعظم ، كما يشهد له الحلم حالة توقير وثبات في الأمور ، وتصبر على الأذى ، أبي سفيان وقد قال له : يا عم أما آن لك أن تسلم ؟ «بأبي [ ص: 22 ] أنت وأمي ما أحلمك!» ولا تزيده كثرة الأذى إليه إلا حلما ، بشهادة ما تقدم ومما حصل له يوم أحد . قول
الثاني : وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها؛ ولهذا شق عليه صلى الله عليه وسلم نسبة بعض المنافقين له الجور في القسمة ، لكنه حلم وصبر لما علم من الصبر على الأذى جهاد النفس ، جبريل ثواب الصابرين ، وأن الله تعالى يأجرهم بغير حساب ، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه ، وأما إذا كان لله تعالى فإنما يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة ، كما قال تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [التحريم : 9] وقد وقع أنه صلى الله عليه وسلم غضب لأسباب مختلفة ، مرجعها إلى أن ذلك في أمر الله تعالى ، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزجر ، فصبره وعفوه إنما كان يتعلق بنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم . وقد قال صلى الله عليه وسلم لما شج المشركون وجهه : «اللهم اهد قومي» وقال حين شغلوه عن الصلاة : فتحمل الشجة الحاصلة في وجه جسده الشريف ، وما تحمل الشجة الحاصلة في وجه دينه المنيف ، فإن وجه الدين هو الصلاة ، فرجح حق خالقه على حقه صلى الله عليه وسلم . «ملأ الله قلوبهم نارا»
الثالث : قال القاضي في قوله صلى الله عليه وسلم : انظر ما في هذا القول من إجماع الفضل ، ودرجات الإحسان ، وحسن الخلق ، وكرم النفس ، وغاية الصبر والحلم؛ إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم ، حتى عفا ، ثم أشفق عليهم ، ورحمهم ، ودعا ، وشفع لهم ، فقال : «اللهم اهد واغفر» ثم أظهر الشفقة والرحمة بقوله : «لقومي» ثم اعتذر عنهم لجهلهم ، فقال : «إنهم لا يعلمون» . «اللهم اهد قومي؛ فإنهم لا يعلمون» :