تنبيهات :
الأول : هذا الرجل المبهم ، قال والقاضي ، ابن بطال والقرطبي ، والنووي رحمهم الله [ ص: 26 ] تعالى هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وكان يقال له : الأحمق المطاع .
الثاني : قال جمع هذا الحديث علما وأدبا ، وليس قوله صلى الله عليه وسلم لأمته في الأمور التي ينصحهم بها ، ويضيفها إليهم من المكروه غيبة ، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض ، بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك ، ويفصح به ، ويعرف الناس أمرهم ، فإن ذلك الخطابي : ولكنه لما جبل عليه من الكرم ، وأعطيه من حسن الخلق ، أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه ليفتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله ، وفي مداراته؛ ليسلموا من شره وغائلته . من باب النصيحة ، والشفقة على الأمة ،
الثالث : قال في هذا الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق ، أو بالفحش ، ونحو ذلك مع جواز مداراته؛ اتقاء شره ، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ، ثم قال تبعا القرطبي : للقاضي الحسين : الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته ، والرفق في مكالمته ، ومع ذلك فلم يمدحه بقول يناقض قوله فيه فعله ، فإن قوله فيه حق ، وفعله معه حسن معاشرته ، فيزول بهذا التقدير الإشكال .
وقال القاضي رحمه الله تعالى : لم يكن عيينة -والله أعلم- حينئذ أسلم ، فلم يكن القول فيه غيبة ، أو كان أسلم ولم يكن إسلامه ناصحا ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك؛ لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه ، وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده أمور تدل على ضعف إيمانه ، فيكون ما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات النبوة ، وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألف له .
قال الحافظ : وقد ارتد عيينة في زمن رضي الله تعالى عنه وحارب ، ثم رجع ، وأسلم ، وحضر بعض الفتوح في عهد الصديق رضي الله تعالى عنه . عمر