الباب التاسع عشر
في نفقته صلى الله عليه وسلم
وروى أبو داود عن والبيهقي أبي عامر عبد الله قال : مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بحلب فقلت : حدثني كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما كان له شيء من ذلك ، إلا أني الذي كنت آتي ذلك منه منذ بعثه الله تعالى ، إلى أن توفي ، فكان إذا أتاه الإنسان فرآه عاريا يأمرني فأنطلق ، فأستقرض ، فأشتري البردة والشيء ، فأكسوه وأطعمه ، حتى اعترضني رجل من المشركين ، فقال : يا إن عندي سعة ، فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت ، فلما كان ذات يوم توضأت ، ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك في عصابة من التجار ، فلما رآني قال : يا حبشي, قلت : لبيك ، فتجهمني ، وقال قولا غليظا ، فقال : ألا ترى كم بينك وبين الشهر ؟ قلت : قريب ، قال : إنما بينك وبينه أربع ليال ، فآخذك بالذي عليك ، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ، ولا من كرامة صاحبك ، ولكن أعطيتك لتصير لي عبدا ، فأذرك ترعى الغنم ، كما كنت قبل ذلك . بلال
فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس ، فانطلقت ، ثم أذنت بالصلاة ، حتى إذا صليت العتمة ، رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إن المشرك الذي قلت لك إني كنت أتدين منه قد قال كذا وكذا ، وليس عندك ما تقضي عني ، ولا عندي ، وهو فاضحني ، فأذن لي أن آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين أسلموا حتى يرزق الله تعالى رسوله ما يقضي عني .
فخرجت حتى أتيت منزلي فحملت سيفي وجرابي ورمحي ، ونعلي عند رأسي ، واستقبلت بوجهي الأفق ، فكلما نمت انتبهت ، فإذا رأيت علي ليلا نمت ، حتى انشق عمود الصبح الأول ، فأردت أن أنطلق ، فإذا إنسان يسعى يدعو : يا أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت ، حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أبشر يا بلال فقد جاءك الله تعالى بقضائك ، فحمدت الله تعالى» ، فقال : ألم تمر على الركائب المناخات الأربع ؟ قال : فقلت : بلى ؟ قال : فإن لك رقابهن ، وما عليهن ، فإذا عليهن كسوة ، وطعام ، أهداهن له عظيم فدك ، قال : فاقبضهن إليك ، ثم اقض دينك . بلال ،
قال : ففعلت ، فحططت عنهن أحمالهن ، ثم عقلتهن ، ثم عدت إلى تأذين صلاة الصبح ، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، خرجت إلى البقيع ، فجعلت أصبعي في أذني ، فناديت ، وقلت : من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر ، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الأرض ، حتى فضل عندي أوقيتان ، أو أوقية ونصف .
ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده [ ص: 91 ] فسلمت عليه ، فقال لي : «ما فعل ما قبلك ؟ » قلت : قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق شيء ، فقال : «فضل شيء ؟ » قلت : نعم ، قال : «انظر أن تريحني منها ، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منها ، فلم يأتنا أحد» فبات في المسجد حتى أصبح ، وظل في المسجد اليوم الثاني ، حتى إذا كان في آخر النهار جاء راكبان ، فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما ، حتى إذا صلى العتمة دعاني ، فقال : «ما فعل ما قبلك ؟ » قلت : قد أراحك الله منه ، فكبر ، وحمد الله؛ شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ، ثم تبعته حتى جاء أزواجه ، فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته . فهذا الذي سألتني عنه . لقيت
تنبيه : في : بيان غريب ما سبق
العصابة : بعين مكسورة ، فصاد مفتوحة مهملتين ، فموحدة : الجماعة من الناس .
تجهمني : أي تلقاني بوجه كريه ، وأغلظ علي القول .
العتمة : بعين مهملة ، فمثناة فوقية ، فميم مفتوحات ، فتاء تأنيث : العشاء ، سميت بذلك لأنها تعتم ، أي تطلق أعتمة الليل ، وهي ظلمته .
جرابي : بجيم مكسورة ، ولا تفتح أوله فيما حكاه النووي والقاضي : المذود أو الوعاء .
الركائب : براء فكاف مفتوحتين ، فهمزة فموحدة : واحده ركاب ككتاب [وهي الرواحل] واحدها راحلة .
فدك : بفاء فدال مهملة ، فكاف مفتوحات : قرية بخيبر . [ ص: 92 ]