الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في خضابه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه نوعان :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في كونه خضب .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الإمام أحمد عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختضب بالحناء والكتم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه النسائي بلفظ : أتيت أنا ، وأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وقد لطخ لحيته بالحناء ، وفي رواية قد لطخ لحيته بالصفرة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى يعقوب بن سفيان والحاكم عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران ، وله شعر قد علاه الشيب ، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى يعقوب بن سفيان عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته بالورس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبخاري عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : أرسلني أهلي بقدح من ماء إلى أم سلمة رضي الله تعالى عنها فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الإنسان إذا أصابه عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه ، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنحر ، ورجل من قريش ، وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ولا صاحبه ، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه ، فقسم منه على رجال ، وقلم أظافره ، فأعطاه صاحبه قال : «فإنه لعندنا مخضوبا بالحناء والكتم » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قيل له : هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الطبراني بلفظ : في أصداغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحناء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وأبو يعلى عن ابن سيرين قال : سألنا أنسا هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب ؟ قال : نعم ، بالحناء والكتم ، وفي لفظ قال : لم يبلغ الشيب إلا قليلا ، وقد اختضب أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بالحناء والكتم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 343 ] وروى ابن سعد عن أبي جعفر قال : شمط عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخضبه بحناء وكتم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن سعد وابن ماجه والترمذي في الشمائل عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : دخلنا على أم سلمة رضي الله تعالى عنها . فأخرجت إلينا صرة فيها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء ، وفي لفظ بالحناء والكتم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أبي رمثة رضي الله تعالى عنه أنه وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذو وفرة فيها ردع من حناء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي وابن عساكر عن عبيد بن جريج قال : رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته ، فقلت له في ذلك ، فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي من طريق مالك في حديثه ، وفيه : ورأيتك تصبغ بالصفرة فقال : وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته بالخلوق ، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عبد الرحمن الثماني قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير لحيته بماء السدر ويأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات غير أبي توبة بشير بن عبد الله بنحو رجاله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخضب أخذ شيئا من دهن ، وزعفران فرشه بيده ، ثم يمرسه على لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ، ويصفر لحيته بالزعفران والورس ، وكان ابن عمر يفعل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن زيد بن أسلم قال : رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق فقيل له : يا أبا عبد الرحمن إنك تصفر لحيتك بالخلوق ، قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر بها لحيته ، ولم يكن شيء من الصبغ أحب إليه منها ، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عبيد هو ابن جريج قال : رأيت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصفر لحيته فقلت له في ذلك فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والنسائي عن أبي رمثة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد علاه الشيب . وقد غيره بالحناء .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في كونه لم يخضب .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخضب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 344 ] وروى أيضا عن عبد الله بن همام قال : يا أبا الدرداء بأي شيء يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا ابن أخي يا بني ما كان بلغ من الشيب أن يختضب به ، ولكن قد كان منه شعرات ، وكان يغسله بالحناء والسدر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا بسند ضعيف عن بشر مولى الرقاشيين قال : سألت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا ، ما كان شيبه يحتاج إلى الخضاب ، كان وضح في عنفقته وناصيته ، لو أردنا أن نحصيها أحصينا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض ، وفي رواية عنده لم ير من الشيب إلا قليلا ، وفي أخرى لو شئت أعد شمطات كن في رأسه ، ولم يخضب ، وفي رواية لم يخضب ، إنما كان البياض في عنفقته ، وفي الصدغين ، وفي الرأس نبذ .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية