الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال أبو عيسى الترمذي- رحمه الله تعالى : «قد روي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه أوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة» قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روي «أنه كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر» . [ ص: 267 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : روى ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والطبراني ، من طريق أبي شيبة بن عثمان ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في رمضان عشرين ركعة ، والوتر في رمضان .

                                                                                                                                                                                                                              ضعفه الإمام أحمد ، وابن منيع ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وغيرهم ، وكذبه شعبة ، وقال ابن معين : ليس بثقة ، وعد هذا الحديث من منكراته قال الأذرعي في التوسط : وأما ما نقل عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في الليلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة فهو منكر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزركشي في الخادم ، دعوى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم تلك الليلة عشرين ركعة لم يصح ، بل الثابت في الصحيح الصلاة من غير ذكر العدد وجاء في رواية جابر «أنه صلى بهم ثمان ركعات ، والوتر ثم انتظروه في القابلة ، فلم يخرج إليهم» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما .

                                                                                                                                                                                                                              الفرع الثاني . فيما كان يقرؤه في وتره- صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، مختصرا عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث يقرأ فيهن تسع سور من المفصل ، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور ، قال أسود : يقرأ في الركعة الأولى ألهاكم التكاثر و إنا أنزلناه في ليلة القدر و إذا زلزلت الأرض .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الركعة الثانية : والعصر و إذا جاء نصر الله والفتح و إنا أعطيناك الكوثر . وفي الركعة الثالثة قل يا أيها الكافرون و تبت يدا أبي لهب و قل هو الله أحد .


                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، والبيهقي ، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا قال له «إني أقرأ المفصل في كل ركعة ، فقال : أهذا كهذ الشعر ونثرا كنثر الدقل لكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ النظائر : السورتين في ركعة (الرحمن . والنجم ) في ركعة و (اقتربت والحاقة ) في ركعة و (الطور . والذاريات ) في ركعة و (إذا وقعت ، ونون ) في ركعة و (عم . والمرسلات ) في ركعة و (الدخان . وإذا الشمس كورت ) في ركعة و (سأل سائل . والنازعات ) في ركعة و (ويل للمطففين . وعبس ) في ركعة . [ ص: 268 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى ، والبزار من طريق عبد الملك بن الوليد بن معدان عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الوتر في الركعة الأولى ب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد و (المعوذتين ) .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال :

                                                                                                                                                                                                                              «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى و قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد في كل ركعة» .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : «أبي يقرأ بكل سورة من السور الثلاث في ركعة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والنسائي ، عن عبد الرحمن بن أبزى : «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الوتر ب سبح اسم ربك الأعلى و قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد في كل ركعة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، والنسائي ، وابن ماجه والدارقطني ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعة الأولى ب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية ب قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة ب قل هو الله أحد والمعوذتين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد- واللفظ له- وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارقطني عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث يقرأ في الأولى ب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم في «التاريخ» والبيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بتسع ركعات ، فلما أسن وثقل أوتر بسبع ، وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ فيهما : الواقعة . والرحمن» . [ ص: 269 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، عن عبد الله بن أبي قيس- رحمه الله تعالى- أنه سأل عائشة عن قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الوتر أكان يسر في القراءة أم يجهر ؟ قالت : «كل ذلك كان يفعل ، كان ربما أسر وربما جهر» قلت : «الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في وتره في السفر على الراحلة :

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرض ، ويوتر على راحلته» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في قنوته- صلى الله عليه وسلم- في الوتر بعد الركوع :

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي عنه ، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر فيقنت قبل الركوع» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن أبي عمر ، وأحمد بن منيع ، والدارقطني من طريق أبان وقال : هو متروك عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : «بت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأنظر كيف يقنت في وتره ، فقنت قبل الركوع ، ثم بعثت أمي أم عبد الله فقلت تبيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره ، فأتتني ، فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني من طريق عمرو بن شمر- وقال : متروك عن سويد بن غفلة- رحمه الله- قال : «سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا يقولون قنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في آخر الوتر ، وكانوا يفعلون ذلك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، برجال ثقات ، عن أبي الجوزاء قال : قال الحسن بن علي- رضي الله تعالى عنهما- : علمني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر :

                                                                                                                                                                                                                              «رب اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت»
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 270 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والثلاثة ، والترمذي ، وحسنه ، عن علي- رضي الله تعالى عنه- كان يقول في آخر وتره : «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كم أثنيت على نفسك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «أردت أن أعرف صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبت عند خالتي ميمونة قال : فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فراشه ، فلما كان في جوف الليل خرج فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال : «نامت العيون ، وغارت النجوم ، والله حي قيوم» ، ثم أتى قربة فحل وثاقها ثم توضأ فأسبغ وضوءه ، ثم قام إلى مصلاه ، فكبر فقام حتى قلت : لن يركع ، ثم ركع حتى قلت : إنه لن يرفع صلبه ، ثم رفع صلبه ثم سجد فقلت : لن يرفع رأسه ثم جلس فقلت : لن يقوم ، ثم قام فصلى ثمان ركعات كل ركعة دون التي قبلها ، يفصل في كل اثنتين بالتسليم ثم صلى فلما أوتر بهن قعد في الثنتين ، وقام في الثالثة فلما ركع الركعة الأخيرة واعتدل قائما من ركوعه قنت : قال : «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس . في وقت وتره- صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات عن أبي مسعود البدري- رضي الله تعالى عنه : قال «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر من أول الليل ، وأوسطه وآخره» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : «من كل الليل أوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أوله وأوسطه وانتهى وتره في السحر» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر في أول الليل ، وأوسطه ، وآخره ، ثم ثبت له الوتر في آخره» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الأئمة إلا الإمام مالك ، والدارقطني ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت :

                                                                                                                                                                                                                              «من كل الليل أوتر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أول الليل وأوسطه وآخره حتى انتهى وتره حين مات إلى السحر» . [ ص: 271 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، برجال ثقات ، عن عقبة بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوتر من أول الليل ، وأوسطه ، وآخره» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينام أول الليل ثم يقوم ، فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى فراشه ، فإذا كانت له حاجة ألم بأهله فإذا سمع الأذان وثب فإن كان جنبا أفاض عليه [من] الماء وإلا توضأ» .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في وصله- صلى الله عليه وسلم- وفصله :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والنسائي ، والدارقطني ، وصححه الحاكم عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يسلم في ركعتي الوتر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث ولا يسلم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد من طريق عمر بن عبد العزيز- رضي الله تعالى عنه- وإن لم يدرك عائشة- عن عائشة رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل بين الشفع والوتر ، بتسليم يسمعنا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والطبراني- وسنده ضعيف- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما :

                                                                                                                                                                                                                              «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ويسمعناها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك ، والبخاري في ضمن حديث عنه «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يسلم في الركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته» .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- بعد الوتر ركعتين خفيفتين ، وهو جالس .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عائشة والإمام أحمد عن عائشة والترمذي ، وابن ماجه ، والدارقطني ، عن أم سلمة ، واللفظ لها- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي بعد [ ص: 272 ] الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن نصر ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن أنس ، والإمام أحمد ، وابن نصر والطبراني ، والبيهقي ، عن أبي أمامة- رضي الله تعالى عنهما- قالا : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين بعد الوتر ، وهو جالس يقرأ فيهما : إذا زلزلت و قل يا أيها الكافرون .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- بعد الوتر :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، والدارقطني ، عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من وتره قال : «سبحان الملك القدوس» ثلاثا ويجهر وفي لفظ : يرفع صوته بالثالثة وفي لفظ : يطيل في آخرهن» .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في تخفيفه- صلى الله عليه وسلم- الصلاة بحضرة الناس .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني برجال ثقات عن خالد الخزاعي- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى والناس ينظرون صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود» .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يراوح بين قدميه :

                                                                                                                                                                                                                              روى البزار بسند ضعيف عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل حتى نزلت : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى

                                                                                                                                                                                                                              والله أعلم . [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية