الثمانون .
وبأنه ناسخ لجميع الشرائع قبله . قال الله سبحانه وتعالى : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه [المائدة 48] بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله [التوبة 33] .
الحادية والثمانون .
ولو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم : موسى حيا اليوم لما وسعه إلا أن يتبعني» «لو كان
وتقدم بيان ذلك في الباب السادس .
الثانية والثمانون .
وبأن قال الله عز وجل : في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ؛ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة 106] ليس في سائر الكتب مثل ذلك؛ ولهذا كان اليهود ينكرون النسخ ، والسر في ذلك أن سائر الكتب نزلت دفعة واحدة فلا يتصور أن يقع فيها [ ص: 303 ] الناسخ والمنسوخ؛ لأن شرط الناسخ أن يتأخر إنزاله عن المنسوخ .
الثالثة والثمانون .
قال الله سبحانه وتعالى : وبعموم الدعوة للناس كافة . وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ 28] وقال تبارك وتعالى : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا [الفرقان 1] .
روى الشيخان عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة»
قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي : الجن داخلون في مسمى الناس . وصرح به أئمة اللغة .
وروى أبو يعلى والطبراني عن والبيهقي رضي الله عنهما قال : إن الله فضل ابن عباس محمدا على أهل السماء ، وعلى الأنبياء . قال ما فضله على أهل السماء ؟ قال : ابن عباس ،
إن الله تعالى قال لأهل السماء : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم [الأنبياء 29] قال لمحمد : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح 1] فقد كتب له براءة ، قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال : «إن الله تعالى قال : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [إبراهيم 4] وقال لمحمد : وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ 28] فأرسله إلى الإنس والجن .
وروى في تاريخه البخاري والبزار والبيهقي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأبو نعيم «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت أنا إلى الجن والإنس»
فإن قيل : كان نوح مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان؛ لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه ، وقد كان مرسلا إليهم؛ فالجواب أن عموم هذا الإرسال من نوح لم يكن من أصل البعثة ، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع ، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد إهلاك سائر الناس .
وذكر أنه كان في الزمن الأول إذا بعث نبي إلى قوم بعث غيره إلى آخرين ، وكان يجتمع في الزمن الأول جماعة من الرسل ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة ، فثبت اختصاصه بذلك ، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة : أنه أول رسول الله إلى أهل الأرض؛ فليس المراد به عموم بعثه بل أولية الرسالة ، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو بخصوص تخصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات ، على أن إرسال ابن الجوزي نوح كان إلى قومه ، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم ، واستدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض وأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا؛ لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء 15] وقد ثبت أنه أول الرسل ، وأجيب بجواز أن يكون [ ص: 304 ] غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح ، وعلم نوح أنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ، ومن غيرهم فأجيب . قال الحافظ : وهذا جواب حسن ، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره ، ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم بقاء شريعته إلى يوم القيامة ، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته ، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس ، فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب ، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود ، قال : وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد بطول المدة ، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون في حق بعض الأنبياء ، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما؛ لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك ، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ، ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط ، وهي عامة في الصورة؛ لعدم وجود غيرهم ، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم ، قال العيني : وفيه نظر لا يخفى؛ لأنه تكون بعثته عامة لقومه لكونهم هم الموجودين ، ثم قال العيني : وعندي جواب آخر ، وهو جيد إن شاء الله تعالى ، وهو أن الطوفان لم يرسل إلا على قومه فقط الذين هو فيهم ، ولم يكن عاما ، انتهى . وهو كلام من ليس له اطلاع على أخبار الطوفان؛ فإنه عم الأرض بأسرها ولم ينج منه إلا من كان في السفينة .
الرابعة والثمانون .
وبأنه أكثر الأنبياء تابعا .
روى عن مسلم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس . «أنا أكثر الناس تابعا»
وروى عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما صدق نبي من الأنبياء ما صدقت ، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد» .
وروى عن البزار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة «يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل ، فتحطم الناس حطمة ، فتقول الملائكة : لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع سائر الأمم والأنبياء» .
الخامسة والثمانون .
وبإرساله إلى الخلق كافة من لدن آدم ، والأنبياء نواب له بعثوا بشرائع له مغيبات؛ فهو نبي الأنبياء . قاله السبكي والبارزي في التوفيق ، وتقدم مبسوطا في الباب أول الكتاب .
السادسة والثمانون .
وأرسل إلى الجن بالإجماع ، وإلى الملائكة في أحد قولين رجحه السبكي والبارزي [ ص: 305 ] والشيخ . قال تعالى : وابن حزم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا [الفرقان 1] العالمون شامل للملائكة كما هو شامل للإنس والجن ، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى : الحمد لله رب العالمين [الفاتحة 2] شامل لهؤلاء الثلاثة ، فكذلك هذا ، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على إخراج شيء منه ، ولم يدل هنا دليل على إخراج الملائكة ، ولا سبيل إلى وجوده ، لا من القرآن ولا من الحديث ، وقد نوزع من ادعى الإجماع على عدم إرساله إليهم ، فمن أين تخصيصه بالإنس والجن فقط دون الملائكة ؟ وكذا قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء 107] فإنه شامل للملائكة ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى : وقالوا : اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون [الأنبياء 26] يعني الملائكة لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم [الأنبياء 27 ، 28 ، 29] .
كذلك روى عن ابن أبي حاتم الضحاك في قوله : ومن يقل منهم قال : يعني الملائكة .
وروى نحوه عن ابن المنذر رضي الله عنه وفي حديث ابن جريج فهذه الآية إنذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي أنزل عليه ، وقد قال تعالى : ابن عباس؛ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [الأنعام 19] قال الشيخ : ولم أقف إلى الآن على إنذار ، وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الآية . والحكمة في ذلك واضحة؛ لأن غالب المعاصي راجعة إلى البطن والفرج ، وذلك يمتنع عليهم من حيث الخلقة ، فاستغني عن إنذارهم فيه ، ولما وقع من إبليس ، وكان منهم على ما رجحه غير واحد ، منهم النووي أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها ، وقد أفرد الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة مؤلفا سماه «تزيين الأرائك في إرسال النبي إلى الملائك» بسط فيه الأدلة ، فليراجعه من أراده .
أعطى الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم من الملائكة أمورا لم يعطها أحد من الأنبياء ، وقال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح «جمع الجوامع» ، وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان للنسفي : حكاية الإجماع في تفسير الآية الثانية ، يعني آية الفرقان على أنه لم يكن مرسلا إليهم ، وعبارة الإمام قالوا : هذه الآية تدل على أحكام .
الأول : أن العالم كل ما سوى الله ، فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة ، لكنا أجمعنا على أن قوله «أجمعنا» ليس صريحا في إجماع الأمة؛ لأن مثل هذه العبارة تستعمل لإجماع الخصمين المتناظرين ، بل لو صرح به لمنع؛ فقد قال الإمام السبكي في جواب السؤال [ ص: 306 ] عن رسالته إلى الجن في تعداد الآيات الدالة عليه ، الآية العاشرة ليكون للعالمين نذيرا [الفرقان 1] قال المفسرون كلهم في تفسيرها للجن والإنس ، وقال بعضهم : والملائكة . انتهى .
وبالجملة ، فالاعتماد على تفسير الرازي والنسفي في حكاية الإجماع حكاية أمر لا تنهض حجته على طريق علماء النقل لأن مدارك نقل الإجماع من كلام الأئمة وحفاظ الأمة كابن المنذر ، ومن فوقهما في الاطلاع كالأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة من يلتحق بهم في سعة دائرة الاطلاع والحفظ والإتقان . وابن عبد البر
السابعة والثمانون .
وبإرساله إلى الحيوانات والجمادات والحجر والشجر ، قاله واستدل بشهادة الضب والشجر والحجر له والرسالة . البارزي ،