الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في ذكر جوده وزهده في الدنيا ، وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) الصحابة له- رضي الله تعالى عنهم

                                                                                                                                                                                                                              قال : إني أستحي من الله -عز وجل- أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين حجة إلى مكة من المدينة على رجليه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : خمس عشرة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه ، ولقد قاسم الله تعالى ثلاث مرات ، حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل .

                                                                                                                                                                                                                              وخرج من ماله مرتين . قال محمد بن سيرين : ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف ، واشترى حائطا من قوم من الأنصار بأربعمائة ألف ، ثم إنه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي الناس ، فرده إليهم ، ولم يقل لسائل قط : لا ، وكان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره ، ورأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ، ويطعم كلبا هناك لقمة ، فقال : ما يحملك على هذا ؟ قال : إني أستحي أن آكل ولا أطعمه ، فقال له الحسن : لا تبرح حتى آتيك ، فذهب إلى سيده فاشتراه ، واشترى الحائط الذي هو فيه ، وأعتقه ، وملكه الحائط ، فقال الغلام : يا مولاي ، قد وهبت الحائط الذي وهبتني .

                                                                                                                                                                                                                              وكان سيدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة ووقار ، جوادا ، يكره الفتن وسفك الدماء ، دعاه ورعه وزهده وحلمه إلى أن ترك الخلافة ، وقال : خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فتنضح أوداجهم دما .

                                                                                                                                                                                                                              وكان من أحسن الناس وجها ، وأكرمهم وأجودهم وأطيبهم كلاما ، وأكثرهم حياء ، وكان أكثر دهره (صائما) ، وكان فعله يسبق قوله في المكارم والجود ، وكان كثير الأفضال على إخوانه ، لا يغفل عن أحد منهم ، ولا [ ص: 69 ] يحوجه إلى أن يسأله ، بل يبتدئه بالعطاء قبل السؤال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال لأصحابه : إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وما سمع كلمة فحشى قط ، وأعظم ما سمع أنه كان بينه وبين شخص خصومة ، فقال له : ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة ، فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله -عز وجل- لم يتمن شيئا غير الحالة التي اختارها الله -عز وجل- وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء .

                                                                                                                                                                                                                              ومن كلامه : كن في الدنيا ببدنك ، وفي الآخرة بقلبك .

                                                                                                                                                                                                                              وكان يقول لبنيه وبني أخيه : يا بني ، وبني أخي ، (يا بني ، وبني أخي) تعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه ، أو قال : يرويه ، فليكتبه وليضعه في بيته .

                                                                                                                                                                                                                              وقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- يجله ويعظمه ، ويحترمه ويكرمه ، وكذلك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وقد جاء الحسن والحسين يوم الدار ، وعثمان محصور ومعهما السيف ليقاتلا عن عثمان ، فخشي عليهما ، فأقسم عليهما ليرجعا إلى منازلهما؛ تطييبا لقلب علي ، وخوفا عليهما ، وكان علي -رضي الله تعالى عنه- أرسلهما وأمرهما بذلك ، وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ويعظمه ، ويبجله .

                                                                                                                                                                                                                              وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم ، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما لما يزدحمون عليهما رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              وكان عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- يقول : والله ، ما قامت النساء عن مثل الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو جعفر الباقر : جاء رجل إلى الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا ، فاعتذر إليه ، فذهب إلى أخيه الحسن ، فاستعان به ، فقضى حاجته ، وقال : لقضاء حاجة أخ لي في الله -عز وجل- أحب إلي من اعتكاف شهر .

                                                                                                                                                                                                                              وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا مصداقا .

                                                                                                                                                                                                                              وكان علي -رضي الله تعالى عنه- يقول لأهل الكوفة : لا تزوجوه؛ فإنه مطلاق ، فيقولون : والله ، يا أمير المؤمنين ، لو خطب لنا كل يوم زوجناه منا؛ ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني عشر : في وصيته لأخيه الحسين رضي الله تعالى عنهما

                                                                                                                                                                                                                              - قال أبو عمر : هو [ ص: 70 ] ما روينا من وجوه أنه رأى في منامه مكتوبا بين عينيه قل هو الله أحد [الصمد] ففرح بذلك ، فبلغ سعيد بن المسيب -رضي الله تعالى عنه- ذلك ، فقال : إن كان رأى هذه الرؤيا ، فقل ما بقي من أجله ، قال : فلم يلبث الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك إلا أياما حتى مات -رضي الله تعالى عنه- وقد أوصى أخاه الحسين ألا يطلب الخلافة ، ورغبه في الزهد في الدنيا ، والعروض عنها ، إلى غير ذلك من وصايا كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                              قال في آخرها : أبى الله -عز وجل- أن يجعل فينا أهل البيت مع النبوة والخلافة الملك والدنيا ، فإياك وطاعتها ، وإياك وأهل الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك ، فتندم حيث لا ينفع الندم ، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : اللهم إني احتسبت نفسي عندك ، فإني لم أصب بمثلها ، فارحم صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ، وارحم غربتي ، يا أرحم الراحمين .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية قال : لما احتضر الحسن قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، أنظر في ملكوت السماوات ، فأخرجوا فراشه إلى صحن الدار ، فرفع رأسه فنظر فقال : اللهم ، إني احتسبت نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث عشر : في ولده رضي الله تعالى عنهم

                                                                                                                                                                                                                              نقل الإمام شمس الدين سبط ابن الجوزي في كتابه "تذكرة الخواص" عن الإمام الحافظ محمد بن سعد في "الطبقات" قال : كان للحسن محمد الأصغر ، وجعفر ، وحمزة ، وفاطمة ومحمد الأكبر ، وزيد ، والحسن ، وأم الحسن ، وأم الخير ، وإسماعيل ، ويعقوب ، والقاسم ، وأبو بكر ، وعبد الله ، قتلوا مع الحسين . وقيل : قتل معه القاسم وأبو بكر ، وقيل : طلحة وعبد الله والعقب لزيد والحسن ، دون من سواهما ، والحسين الأشرم وعبد الرحمن ، وأم سلمة ، وعمر ، وأم عبد الله ، وطلحة ، وعبد الله الأصغر .

                                                                                                                                                                                                                              وعن محمد بن عمر الأسلمي -رحمه الله تعالى- أنهم خمسة عشر ذكرا وثمان بنات ، علي الأكبر وعلي الأصغر ، وجعفر ، وفاطمة ، وسكينة ، وأم الحسن ، وعبد الله ، والقاسم ، وزيد وعبد الرحمن ، وأحمد ، وإسماعيل ، والحسين ، وعقيل ، والحسن . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              اقتصر البلاذري في "الأنساب" على ذكر الحسن وزيد وحسين الأشرم ، وعبد الله ، وأبي بكر ، وعبد الرحمن ، والقاسم ، وطلحة ، وعمر .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل الإمام أبو جعفر محب الدين الطبري في "الذخائر" عن أبي بشر والدولابي ، أنهم حسن ، وعبيد الله ، وعمر ، وزيد ، وإبراهيم ، وعن أبي بكر بن الدراع أنهم أحد عشر ابنا وبنتا : عبد الله ، والقاسم ، والحسن ، وزيد ، وعمر ، وعبد الله ، وعبد الرحمن ، وأحمد ، وإسماعيل ، والحسين ، وعقيل ، وأم الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 71 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية